علي ربة عالية انتقاها المستعمر لكي يرصد من خلالها كل تحرك مناوئ , تنتصب مدينة تامشكط , وسط رمال ذهبية لا تعرف السكون, منفذها الوحيد إطلالتها الشمالية علي الوادي الذي يعتبر امتدادا لوادي أفله فتغذيه سيول العاكر المعروفة ماء ,تتعانق صفرة الرمال مع خضرة الوادي على أرض تامشكط لتتشكل لوحة فنية منقطعة النظير.
فى العشر الأواخر من شهر نفمبر حظيت بزيارة هذه المدينة بعد عشرين عاما من الانقطاع ،فقد ازددت على أديمها الطاهر ولعبت بين أزقتها ودرست فى مدرستها الابتدائية اليتيمة آنذاك والتي لا زالت شامخة كالطود لا تغيرها عاديات الزمن ولقد خرجت أطرا ومثقفين تبوؤوا مناصب عالية فى الوطن .
معالم خالدة
فى العشرينيات من القرن الماضي وبالتحديد في سنة 1927 تم بناء مدينة تامشكط لتكون إحدى أهم مقاطعات محافظة لعصابة قبل أن تتحول إداريا إلى الحوض الغربي نهاية الأربعينيات ،ومنذ ذالك التاريخوهي تحتوى على أغلب المرافق العمومية المتوفرة يومها مثل :
المقاطعة (الحاكم ) – قوم الوطن (الحرس فيما بعد ) –المدرسة – المستوصف – البريد – البيطرة – الزراعة –المحاسبة المقاطعية (بيت المال ) ، وفى سنة 1974 ازدادت هذه المرافق بافتتاح مكتب لفرقة من الدرك الوطني ،ورغم أهمية هذه المرافق التى مارست عملها بشكل جيد حينما كانت الدولة موجودة تحاسب عمالها حسب المردود فإننا سنقف عند مرفقين هامين هما :
مدرسة تامشكط الابتدائية :
افتتحت هذه المدرسة أبوابها نهاية الأربعينات أمام المتلقين الذين يعدون على أصابع اليد حينها نظرا لعزوف الأهالي عن إرسال أبنائهم إلى المدارس الفرنسية ،وفي سنة 1956 بنيت الأقسام الثلاثة مع مكتب المدير التي تعتبر حتى الآن جزءا من أقسام الثانوية ، وقد تعاقب على إدارة المدرسة معلمون أكفاء أمثال : محمد بن أعمر الوزير السابق – المختار ولد بوبان – سيدى عالى افرانسوا – محمد الأمين ولد أعمر الذى يقف كل فرد من أفراد سكان تامشكط إجلالا له . المستوصف :
لقد ظل هذا المستوصف قبلة لجميع المرضى من أوكار وأفله والمكفة والجام وغير ذالك من المناطق فيقوم الممرض رغم جهوده المتواضعة بحجز المرضى داخل خيام ضربوها قبالة المستوصف ونتيجة العناية الفائقة ينزل المرضى خيامهم أصحاء بعد العلاج ليغادروا إلى حيث أتوا،وقد خدم عقب الفرنسيين فى هذا المستوصف ممرضى الدولة : محمد احيد جوب – سيد احمد ولد الفيرك – ولد بابو وغيرهم . تامشكط :التحديات تواجه مدينة تامشكط اليوم كغيرها من مدن البلاد تحديات جمة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
العزلة:
هنالك مسلك واحد يتفرع من طريق الأمل عند الكيلومتر 80 يخترق منطقة أفلة ويبلغ طوله 90 كلم تم إنشاؤه فى عهد الرئيس معاوية ويمتاز بالوعورة وكثرة الجسور نظرا لتزاحم الأودية فلكي يبقي هذا الممر مسلوكا تلزم صيانته سنويا الشئ الذى يفتقد إليه منذ 2010 . المياه : توجد شبكة مياه هشة تم تدشينها في عهد الرئيس معاوية ولم تعد تلبى حاجة المواطنين فلا يصل الماء إلا منتصف الليل . الكهرباء: استفادت المدينة من الخدمة الكهربائية إثر كهربة جل المدن الموريتانية إبان فترة حكم الرئيس معاوية وتتعرض هذه الخدمة للإنقطاعات المتكررة بين الفينة و الأخرى . الصحة: المستوصف الانف الذكر لازال قائما ، الشئ الوحيد المتغير فيه هو أن ذالك الممرض الذى كان يعمل ليله ونهاره بجهود متواضعة استبدل بطبيب عام قلما تجدى استشاراته أو تنفع وصفاته ، لايتوفر المركز الصحى على قاعة للفحوصات الطبية لكنه يتوفر على سيارة إسعاف و رغم أن المركز لايمكنه معالجة أية أزمة طارئة حتى ولو تعلق الأمر بمشكل الزائد الدودى فإنها السيارة الوحيدة التي يملك ، فقد تكون في مهمة أخري ساعة مجيئ حالة تتطلب إسعاف .. الزراعة وتنمية المواشى :
تحتوى منطقة أفلة على مجموعة من السدود من بينها سد اتويميرت المطل على المدينة الذى يعمل به الكثير من سكان المدينة الذين ينتقدون تهالك بنيته فقد تم بناؤه سنة 1981 وقامت السلطات بترميمه سنة 2000 فى عهد الرئيس معاوية . أما فى مجال تنمية المواشى فلا تعد المقاطعة من أكثر المناطق توفرا على هذه الثروة فهى مقاطعة فقيرة تماما ومع ذالك لا يخلو أى بيت من امتلاك نزر من الماشية تكلف صاحبه مشاق صيف عسير قضى على الماشية وعلى جيوب الأهالى الخاوية أصلا . السياحة:
تعتبر مقاطعة تامشكط منطقة سياحية بامتياز فهى تضم مواقع أثرية هامة مثل مدينة اوداغست وتكبه وغيرهما ومع ذالك لا يمكنك ملاحظة أي نشاط سياحي من أي نوع كان رغم ما يدره هذا المجال من اكتشافات علمية ومن دخول عينية . الإتصالات: توفر شركتا موريتل وماتل خدمات الاتصال فى المدينة وتنعدم البتة خدمات الانترنت ،وإذا أردت تصوير بعض الأوراق أو طباعة الأخرى سيصعب ذالك لقلة الخدمة المكتبية وتقادم التجهيزات بالقليل الموجود . مشكلة التعليم أو أم المشاكل : لا أحد ينكر ما للتعليم من أهمية في رقي وازدهار الشعوب ، فالتعليم هو مفتاح التنمية ويعيش هذا المرفق الحيوي لحظات أنفاسه الأخيرة على عموم التراب الوطني وليست مقاطعة تامشكط بأوفر حظا فالمدينة تتوفر على مدرستين إحداهما غير مكتملة البنية . مشاكل أخرى: ما أكثر ماتعانيه مقاطعة تامشكط فهى انطلاقا مما سبق معزولة ،ضعيفة البنية ، قليلة المياه ، كثيرة تعطل الكهرباء ، رمالها قاحلة جرداء لا ماء فيها ولا مرعى ، لا تمتلك الرعاية الصحية التى يحصل السكوت عليها ، أزمة التعليم فيها لاتقل شأنا عن أزمته الوطنية التى تتفاقم كل يوم : أطفال يذهبون إلى المدارس يتلقون تعليما بين بين لاهو عربيا ولاهو مفرنسا ولاهو بالمزدوج ولا المؤسسة فيه بالتي ترعي الأطفال فتحفظهم من أن يبطش أحدهم بالأخر فيحدث فيه أثرا أو يقتله كما حصل فى إحدى ثانويات العاصمة ، في تامشكط هنالك بعض المصالح لا تمتلك مقرات وفي مقدمتها الحاكم الذى ينزل ضيفا بمكتبه على العمدة ،
فى تامشكط لا توجد إلا صيدلية واحدة ,
فى تامشكط لا توجد مبانى لمصالح : المحكمة الإبتدائية ,البريد ,الزراعة ,الشباب . فى تامشكط لامنظمات مجتمع مدنى ،لا مقرات أحزاب ،
وفى تامشكط ينطلق المواطنون - المغلوب على أمرهم – كل صباح إلى دكاكين أمل المعروفة محليا ( باباتيك عزيز) لشراء ما استطاعوا شراءه وليس بالكثير من الأرز والزيت والسكر وهو أعلى انجاز يتبجح به النظام الحالى لصالح سكان مقاطعة تامشكط .