يعتبر توطيد العلاقات الدبلوماسية بين الدول ضرورة سياسية وبوابة اقتصادية لا غنى، خصوصا إذا كانت هذه الدول تربطها ثقافة مشتركة أو أعراق متجانسة، ولعل هذا ما دفع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إلى توسيع دائرة علاقات بلاده مع عدة جهات دولية حتى تشمل تلك التي كانت تعرف إعلاميا بدول الممانعة كإيران وسوريا...
بيد أن فخامة الرئيس تجاهل حساسية العلاقة مع إيران مثلا، وما تتسم به من تعقيد على المستويين السياسي والطائفي، علما أن أي تقارب بين الجمهوريتين الإيرانية والموريتانية سيبعد الأخيرة عن محيطها العربي الذي ينظر إلى المشاريع الإيرانية بعين الريبة والحذر.
قد يبرر كثير من السياسيين هذه الخطوة باعتبارها حنكة سياسية من عزيز مارس بها الضغط ذات يوم على الدول التي لم تتحمس للتعامل معه، بعد إطاحته بالرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، والذي تسبب في أزمة سياسية كبيرة داخل البلاد وخارجها، بدأ غليانها منذ الوهلة الأولي، مما جعل الرئيس الجديد يعاني من حصار داخلي تفرضه أحزاب المعارضة وآخر خارجي تقف وراءه أطراف دولية وإقليمية.
لكن الرجل الذي شعر أن السياسة قد ضاقت به ذرعا والخناق يشتد عليه يوما بعد يوم لم يتوان عن الارتماء في أحضان ما يعرف بدول الممانعة علها تكون سندا له ولدولته الفتية في وقت هو بأمس الحاجة إليه،
بيد أن ما غاب عن الرئيس وأعوانه السياسيين أن الزيارة التي قام بها إلى طهران في وقت سابق جاءت بعد أن تم انتخابه رئيسا شرعيا للبلاد إثر انتخابات اعترف العالم بنتائجها، مما يجعل الزيارة مغامرة سياسية ستدخل البلاد في وحل النزعات الدولية، فالمعلوم في الأعراف السياسية أن الصراعات بين الدول الكبرى لا يدخل في معتركها إلا دولة لديها من القوة ما تستطيع أن تضر به وتنفع بحيث إذا كانت مع طرف مالت الكفة إليه، وإلا فسيصدق عليها المثل القائل: إذا تصارعت الفيلة فالضحية العشوب.
وإذا لم يول الرئيس اهتمامه لهذا كله، فكيف سيغض الطرف عن السفارة الإيرانية التي لم تتوان عن إشعال نار الفتنة الطائفية - كما هو دأبها - بنشر التشيع في صفوف الموريتانيين الذين يعتقون المذهب السني منذ عدة قرون؟ وكيف سيكون رد الرئيس بعد أن أصبح بعض الموريتانيين يعتنقون المذهب الشيعي ويعطون ولاءهم للولي الفقيه في طهران مستهزئين بنظام البلاد وضاربين بعرض الحائط سيادة الدولة ودستورها؟
وما هو رد عزيز فيما يقوم به الشيعة اليوم من استفزاز للموريتانيين بلعن الصحابة وشتمهم وقذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بفاحشة سبق أن برأها القرآن منها وتوعد القاذفين بعذاب أليم؟
وما هو رأي فقهاء "الحيض والنفاس" المحيطين به في انتشار المذهب الشيعي داخل البلاد، وهم الذين طالما صدعوا رؤوسنا بضرورة الحفاظ على وحدة المجتمع تحت خيمة المذهب المالكي ونصوص مختصر خليل؟