إذا كانت السلطات الحاكمة، المحكومة من قمتها، تعتمد على العصبية القبلية في إدارتها، وأمنها، وانتخاباتها، وتعيين موظفيها، وتخطيط أرضها، وتقسيم مشاريعها...
فكيف نحارب؛ بل كيف نسالم القبلية؟ !
في ظل هذه الدولة "القبلية" حتى النخاع أصبح المسؤولون والمتعلمون والكاتبون كلهم على شاكلة العوام في تمجيد قبائلهم ومدحها واستدعاء أمجادها وأحسابها، الحقيقية والمتخيلة ! وتسخير الوسائل الحديثة، وأحيانا العمومية، في خدمتها وتمكينها....
والواقع أن كل هذا وجه واحد للقبلية ونصف صورتها الكاملة؛ أما الجانب الآخر الحتمي فهو الذم والقدح والتحدي والخصام والعداء، الذي يناسب طبيعة وأسلوب كل قبيل !
ولكن المجتمع القبلي منذ الأزل قائم على هذين الوجهين المتناقضين، معا، كما تقوم فيزيا الطاقة على القطبين السالب والموجب... ويمتد هذا حتى داخل العشيرة نفسها.
إذن فإن على من يتظاهرون بنبذ القبلية واستنكار نتانتها، وهم يمارسون الجانب الذي "يعجبهم" منها ممارسة متفاحشة، أن يتوقعوا تداعيها بالصورة الكاملة : هذا يمدح وذلك يقدح، والزَّند يورى؛ ويوم لك ويوم عليك... و"نحن هُومَ الِّ آشْ" !!
أما من يطلبون تدخل الدولة وأن تحول دون انتشار دخان نيران القبلية المؤذية وروائحها النتنة، وأفكارها المتخلفة... فهم يطلبون من صاحب القطيع صيدَه، ومن المتخلق بخلق النهيَ عنه...
باختصار نحن ـ دولة ومجتمعا ـ نتوغل في كهف التخلف؛ ولكن بالطريقة المعاكسة لحزم "حمار الغابة" أبي النابين، الذي يَدخُل جحرَه مستدبرا، ليكون مستعدا للخروج بسرعة والانطلاق بعيدا من الخطر...
نحن نتوغل مستقبلين القاع ورأسنا (الدولة والنخب) في المقدمة "المؤخِّرة"... مستدبرين سبيل الخروج السريع والانطلاق للسعة والنجاة !!
مع الأسف اكتمل سقوط مشروع الدولة بنهوض نقيضه القائم أصلا : القبيلة والعشيرة...