تحت جنح الظلام عاد الرئيس عزيز إلى قصره مساء الثالث عشر من ديسمبر، أي بعد شهرين من إصابته في حادث غريب ما تزال ملابساته مجهولة وتداعياته تتأجل يوما بعد يوم. وقبل عودته بأيام كانت منسقية المعارضة قد انسحبت هي الأخرى تحت جنح الظلام من ساحة بن عباس مستخدمة شماعة الاستفزاز الأمني، بعد أن فشلت في استدراج حضور معتبر لاعتصامها.
وبالرغم من أن الانهاك كان باديا على كلا الفريقين وأمارات الفشل تلاحقهما من مختلف الجوانب، إلا أن أيا منهما لم يجد الشجاعة بعد للاعتراف بالهزيمة، بعد سنة من مجابهة ما أنجبت غير هدر الامكانيات في صراع إرادات عبثي لا يخدم تنمية البلاد ولا استقرارها ولا يساهم في تطوير وتحصين ديمقراطيتها.
انزوى كلا الفريقين إلى ركنه وهو يضاعف من الاشارات لترك الانطباع بأنه على ما يرام وبأن لياقته على أشدها: نزل عزيز إلى "الملاعب" وباشر إعادة ترتيب بيته الداخلي فيما انشغلت القوى الرئيسية في المنسقية بأجندات حزبية خاصة، لتعرف الساحة بعضا من هدوء ظلت تفتقده منذ عدة أشهر.
والواقع أن سنة 2012 كانت قاسية بجميع المقاييس: فالأسعار تصاعدت خلالها بشكل مذهل وتأثيرات الجفاف كادت أن تقضي على الثروة الحيوانية وجحيم البطالة ظل يطارد عشرات آلاف العاطلين عن العمل بالإضافة إلى الانعكاسات المربكة للأزمة المالية... ومع ذلك ظل الفاعلون الرئيسيون –في السلطة والمعارضة- لا يجدون غضاضة في تخصيص معظم أوقاتهم للتنابز بالألقاب وتطوير خطاب صدامي لا يقيم أدنى اعتبار للموضوعية ولا للاعتبارات الأخلاقية.
كان على الصراع السياسي أن يستنزف معظم الجهود، فنظمت المسيرات والمهرجانات والوقفات والاعتصامات والكتابة على الجدران، وبشكل مكثف وهمجي تم اللجوء إلى مختلف أشكال القمع والتضليل والتسميم.. والحصيلة أن لا جهود تنموية بذلت وأن لا بديل تم تحضيره لإنقاذ البلاد من مخاطر تتعاظم يوما بعد يوم! وكأن اللحظات الصعبة التي عاشتها البلاد لا تكفي لدق نواقيس الخطر المحدق أو كأن من يتنافسون على حكمها لا يكترثون لغير كرسي رئاستها!
اقلام