تعتبر الشركة الموريتانية للنحاس MCM محط أنظار الكثيرين من ساكنة ولاية انشيري عموما و ساكنة اكجوجت خصوصا لما يفترض أن يكون لها من دور أساسي في تحريك عجلة التنمية و التطور و لما توفره من فرص عمل و من استثمارات تنعكس علي حياة المواطن البسيط قبل ان تنعكس علي حياة العامل ،
صورة لاحد أحياء أكجوجت
و بين مؤيد للشركة يري أنها قامت بالدور المنوط بها علي أكمل وجه و بين معارض يتهمها بالنهب الممنهج للثروة الوطنية دون ان يكون في ذلك انعكاس علي حياة المواطن ، قررت مراسلون أن تكشف اللبس عن هذا الموضوع و أن تقدم للقارئ هذا التحقيق الذي يتطرق الي محاور ثلاث تشمل : الملف البيئي ، و المردودية اﻷجتماعية للشركة ، و تعامل الشركة مع العمال و حقوقهم ، ويقدم هذا الملف مجموعة من الملاحظات و المعلومات تتناول بالتفصيل حصيلة 5 سنوات من النشاط المعدني لهذه الشركة .
أرباح شركة MCM بملايين الدولارات !!!
بدأ الإنتاج الفعلي في منجم "كلب ام كرين" في ابريل 2006 من طرف شركة MCM تملكها الشركة الكندية "فيست كوانتوم" في حين بدأ الإنتاج التجاري في شهر اكتوبر 2006،
واستخرجت الشركة، حتى اﻵن، 171.000 طن من النحاس المركز، و 354.000 أونسه من الذهب، ووصلت مداخيلها من المنجم إلى مليار وربع المليار دولار وذلك حسب موقعها الرسمي (المصدر)، ورغم ضخامة حجم هذه اﻷرقام الفلكية فإن دخل الدولة من هذه الأرباح لا يتعدي 3 بالمائة و ترتبط مع الشركة باتفاقية شكل الكشف عن تفاصيلها و حيثياتها صدمة في رأي العام، إذ تكرس هذه الاتفاقية ( موجودة في موقع الشركة ) مفهوم النهب الممنهج للثروات، ، بنسبها الثلاث التي تحصل عليها الدولة، وبإلغائها الضرائب على الشركة وجميع عمالها الأجانب حتى افريل 2012 ، وبتحمل الدولة للمسؤولية القانونية عن تدمير البيئة، الذي ينتج عن استغلال المنجم من طرف الشركة.
MCM و البيئة ... لا دخان بلا نار
يشكل الخطر البيئي لاستغلال شركة MCM لمنجم "كلب ام كرين" الخطر اﻷكثر حساسية وخطورة لجسامة تأثيراته البيئة المستقبلية على المديين: البعيد والقريب؛ إذا لم يتدارك اﻷمر قبل فوات اﻷوان، وتزداد خطورة الموضوع إذا أخذنا في الاعتبار أن الشركة، قد تفلت من المساءلة القانونية عن جرائمها البيئية المحتملة، نظرا للبند المتضمن في الاتفاقية المبرمة بين الدولة والشركة؛ والقاضي بتحمل الدولة لكافة المسؤولية القانونية عن انعكاس تأثير استغلال الشركة للمنجم على البيئة، هذا بالإضافة إلي أن الشركة لم تقم بدراسة التقييم الابتدائية لذلك، ولم تستدع أي مكتب خبرة مستقل للقيام بالدراسة، رغم وعودها بذلك، كما أنها تراقب نفسها بنفسها في ظل غياب الرقابة البيئية من طرف الدولة و وضع العراقيل أمام أي تحرك من طرف المجتمع المدني في هذا الاتجاه .
زد على ذلك أن شركة MCM تعتمد طريقة، لتنقية المعدن من الفلزات، باستخدام مادة السيانيير الشديدة السمية، والتي تعتبر اﻷرخص واﻷشد خطرا علي البيئة، من بين جميع التقنيات المتوفرة في هذا المجال. كما أن استخدام هذه الطريقة أدي إلي اكبر كارثة بيئية في تاريخ اوروبا حين انفجر خزان لهذه المادة قرب مجاري احد اﻷنهار في رومانيا في العام 2004 مما نجم عنه نفوق اﻷﻵف من اﻷسماك، و تلوث واسع للمياه السطحية في المنطقة .
وإضافة إلي مادة اسيانيير، فإن الشركة لا تبذل أي جهد من اجل التخفيف من الروائح الكريهة المنبعثة من المنجم، والتي اعترفت الشركة علي لسان مسؤول البيئة فيها، بوجودها مكتفيا بالقول إنها غير سامة
أضف إلى ذلك خطورة الغبار المحمل بالمعادن والسموم، والذي تحمله الرياح التي تهب من إتجاه المنجم، والذي يشكل، حسب خبراء، خطرا أشد من خطر السيانيير والروائح الكريهة، وقد يؤدي استنشاقه إلى سرطان الرئة و أمراض الربو وضيق التنفس.
كما تشكل إجراءات السلامة التي تتبع الشركة محل تساؤل، بدءا بنقل المواد الكيماوية من ميناء أنواكشوط إلى أكجوجت (255 كلم) وظروف تخزينها في المصنع، وطرق استعمالها ومزجها، وكذلك حماية العمال منها، وخاصة منهم الذين يعملون في قسم تصفية الذهب المعروف باسم (CIL)، فأين هذا من الإلتزام بالمعايير الدولية في مجال طرق الأمن والسلامة ؟!.
وفي ظل هذا الوضع البيئي ، فإنه من غير المستغرب ظهور ضحايا هذا لهذا التلوث البيئي، والذي يوثق هذا المستند لبعض من امثلتها (اضغط هنا) ، كما أدى هذا التلوث إلى رفع دعاوى عمومية باسم ساكنة هذه المدينة إضافة إلى قضايا أمام المحاكم باسم الضحايا من طرف عدة محامين، وإلى استقالات من طرف خبراء رفضوا الضغوط الممارسة عليهم، للسكوت على هذا الواقع .
ماذا قدمت شركة MCM لساكنة اكجوجت ؟
تعتبر مدينة اكجوجت مدينة منجمية بامتياز، تعاقب علي استغلال ثرواتها المعدنية، منذ القرن الماضي، عدة شركات معدنية، كان لها، على اﻷقل، تأثيرا معتبرا ومردودية اجتماعية ملحوظة، من خلال المنشآت والمساكن والطرق والمرافق العمومية التي تركتها ورائها للساكنة، لكن شركة MCM ، ورغم التسهيلات الخيالية الممنوحة لها و اﻷرباح الضخمة التي تجنيها، شكلت استثناء صارخا لهذه القاعدة ...
وللتذكير فقط، فان الشركة لم تمول، منذ انطلاق إنتاجها قبل 5 سنين، أي مشروع اجتماعي يذكر، مكتفية فقط بـ"الترميم" لبعض المنشآت والمرافق الموجودة أصلا، مثل الترميم البطيء لحي "لوجمهات"، الذي بدأ منذ عام ونيف تقريبا، ولم ينته بعد! أو ترميمها للمستشفي الجهوي الذي ورثته أيضا عن: شركة المعادن الموريتانية SOMIMA، والذي لا تصدق عليه كلمة مستشفي لعدم إمكانية إجراء عملية جراحية فيه حتى اﻵن، رغم اكتمال تجهيزاته، واكتفائه بالخدمات التي يوفرها أي مركز صحي بسيط.
كما أن مشروع تزويد المدينة بالماء الشروب من بلدية "بنشاب" (130كلم)، يعتبر ضرورة لا غنى عنها للشركة، لأنها أولا: جلبت الماء للمنجم الذي تستغله والذي تستعمل منه يوميا 9000 م3 (تسعة آلاف متر مكعب) في استنزاف خيالي للمياه الجوفية، في منطقة، تعتبر المياه الصالحة للشرب عملة نادرة!، تماما على غرار مشروع ترميم الطريق الرابط بين اكجوجت وانواكشوط، والذي تستخدمه، على مدار الساعة، شاحنات الشركة التي تؤدي بحمولتها الثقيلة إلى إفساده، وهو أيضا مشروع كان موجودا قبلها.
كما لا يلاحظ أي تدخل اجتماعي من طرف الشركة في المجال الثقافي، للتخفيف من آثار التسرب المدرسي، وانخفاض المستويات التعليمية في المدينة، بسبب هجرة الشباب لمقاعد الدراسة إلى العمل في هذه الشركة كعمال يدويين! هذا التأثير، الذي يعتبره البعض أخطر تأثير، غير مباشر للشركة، والذي يهدد بتخريج أجيال جاهلة تنقصها الثقافة والوعي وترتبط بالشركة ارتباطا عضويا، و تدور في فلكها أنى ما دارات.
أخيرا، فإن نظرة عابرة على ما يسمى بـ "أحياء الترحيل"، أو على الأصح أحزمة الفقر المحيطة بمدينة أكجوجت، والتي تشكل حالة إنسانية محزنة، حيث لم يتم أي تأهيل للمنطقة التي رحلت إليها ساكنة هذه اﻷحياء، فأصبحوا مرميين، بلا ماء، ولا كهرباء، يفترشون العراء، ويلتحفون السماء، في مشهد يدل علي إختلال واضح في توزيع الثروات و غياب التدخل اﻷجتماعي للشركة علي مستوي هذه اﻷحياء ،في ظاهرة تشكل دون شك أحدي مخلفات تأثيرالنشاط المعدني بالمدينة ربما لم تأخذ في اﻷعتبار في مختلف الدراسات المتعلقة بالتأثير الأجتماعي للنشاط المعدني في مدينة لم تشهد هذه ظاهرة من قبل .
أم سي أم و حقوق العمال
حسب الموقع الرسمي للشركة الأم First Quantum Minerals Ltd فإنه وحتى شهر ديسمبر 2011 فإن المنجم التابع لشركة MCM يضم حوالي 1500 عامل، أغلبهم مكتتبين من طرف مقاوليين ممثلين أساسا في شركة SMBTD - APRESCOGE والتي شكلت وضعيتهم محل انتقاد مستمر من طرف النقابات العمالية، ﻷن اﻷمر هنا يتعلق بالمتاجرة بالبشر، فهذه الشركة لا تمتلك أي معدات تشغلها بل تبيع الجهود العمالي مباشرة .
وقد شلت 4 إضرابات متتالية، 3 منها في عام 2011 والأخير في 2012 نشاط شركة MCM ، "وفي كل مرة يتم التوقيع على اتفاق بين هذه الشركة وعمالها، تتنكر الشركة لمضامينه وتتملص من تنفيذه، فيلجأ العمال إلى الإضراب من جديد لتنفيذ مضامين ذلك الاتفاق، ولكن دخول الدولة على الخط لصالح الشركة وفرض الحل الأمني، الذي أدى إلى استشهاد عامل وعشرات الجرحى، مما نجم عنه إفشال الحراك النقابي، بعد توقيف بعض العمال، والشروع في فصلي " يضيف المندوب النقابي عثمان ول كريفيت و هو الوحيد الذي رفض الرضوخ لمطلب وقف الإضراب، قبل تحقيق المطالب
وقد نجم عن إفشال الحراك النقابي اﻷخير تراجع المناديب عن جميع المطالب الواردة في العريضة المطلبية لهؤلاء العمال ... ( وثيقة حول الوضوع ) والنتيجة احتقان خطير في أوساط العمال والساكنة، على حد سواء.
MCM و التعتيم الإعلامي
شكل التعتيم الإعلامي، وغياب الشفافية في جميع أنشطة الشركة، طابعا عاما لتعامل الشركة مع الوسط الإعلامي الدولي والمحلي، فيكفي أن يعرف القارئ أن شركة بمثل حجم شركة MCM لا تمتلك حتى موقعا ألكترونيا، وإنما نشرة إشهارية غير محينة، (http://mcm-news.com/) ،وتتوفر معلومات عن رفض الدولة والشركة لقاءات مع مؤسسات إعلامية كبيرة في حجم قناة الجزيرة الفضائية وقناة France 24 وغيرهما، كما لوحظ، خلال هذه السنة، انتشار واسع لإشهارات هذه الشركة في عدة مواقع وطنية محلية، مما يشكل، حسب البعض، طريقة أخرى لكم أفواه بعض المؤسسات الإعلامية للسكوت على جرائم هذه الشركة.
ورغم اﻷختلاف الواضح بين الساكنة حول حجم ما قدمت هذه الشركة فأنه يلاحظ شبه إجماع علي أن المردودية اﻷجتماعية للشركة كانت دون المستوي المتوقع كما أن البعض لا يخفي تخوفه من التأثيرات البيئة المحتملة لأستغلال هذه الشركة لمنجم النحاس الذي لا يبعد سوي 5 كلم من المدينة ، في حين يسود جو من الخوف و الترقب بين أوساط العمالة التابعة للشركة في ظل إفشال الحراك النقابي اﻷخير خوفا من تأثيراته المستقبلية علي مصالح العمال و حقوقهم.
و مهما يكن فإن الجميع يجمع علي ضرورة وجود نشاط معدني في المدينة ، و الخلاف بعد ذلك حول مدي عدالة توزيع الثروة الناتجة عن هذا النشاط و مدي تأثيراته علي البيئة و حجم مردوديته اﻷجتماعية علي الساكنة .
أحمد سالم ولد محمد
المصدر: مراسلون