إذا كان هناك سياسي موريتاني يستحق عن جدارة لقب "إطفائي الحرائق"، فهو رئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بلخير لا غيره. فبعد انتخابات يوليو 2009، وفي الوقت الذي كانت فيه المعارضة تهم بالدخول في سلسلة احتجاجات على نتائج تلك الاستحقاقات،
جاء لتصريح ولد بلخير في اجتماع "تيفيريت" الشهير، ليصب الماء على النار وليخفف كثيرا من حدة الاحتقان. ثم عاد رئيس الجمعية الوطنية ليطفئ حريقا آخر، كاد يندلع بعيد موضة "الربيع " التي اجتاحت العديد من الدول العربية، وذلك عندما قبل الدخول في حوار مع النظام، في وقت قرر فيه حلفاؤه في منسقية المعارضة النزول إلى الشارع، والمطالبة برحيل نظام ولد عبد العزيز.
ويبدو أن لعبة الاطفائي هذه استهوت كثيرا العجوز المخضرم، إذ ما كاد يعود من رحلة الصيف إلى قصر المؤتمرات، حتى شرع في رحلة الشتاء التي طرق خلالها أبواب مقرات الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، حاملا معه مبادرته الشهيرة التي أسالت الكثير من الحبر وتوقع لها العديد من المراقبين النجاح في رأب الصدع ورتق الخرق، قبل أن تدخل العناية المركزة مؤخرا.
ومع أن دم المبادرة ومسؤولية موتها السريري تفرقا بين الأغلبية والمعارضة، إلا أن السؤال الذي بات يطرحه الجميع هذه الأيام: هو أين مسعود، وهل تخلى الرجل عن دوره في صب الماء على النار؟ فمسعود الذي وعد الصحافة منذ عدة أشهر بمؤتمر خاص للحديث عن المبادرة وفرص نجاحها، لم يف بوعده حتى الآن على غير عادته.
كما أنه لم تصدر عن ولد بلخير إلى اليوم أية ردة فعل حيال موقف منسقية المعارضة الديمقراطية من جهة وولد عبد العزيز من جهة أخرى من مبادرته، وهو ما يثير نقاط استفهام عديدة حول برودة الأعصاب التي تحلى بها رئيس الجمعية الوطنية المعروف أصلا بتصريحاته الحادة.
إن محاولة تفسير هذا الموقف الحالي، يقودنا إلى احتمالين اثنين، أولهما هو أن ولد بلخير قرر أخيرا أن يستقيل من دوره كإطفائي للحرائق السياسية في البلد، وأن يعود إلى صفوف المعاهدة من أجل التناوب السلمي ويتمسك بضرورة تطبيق بنود وثيقة الحوار الذي دار بين المعاهدة والنظام ويشارك في الاستحقاقات القادمة حضر من حضر وغاب من غاب.
أما الاحتمال الثاني وهو الأقوى فمؤداه أن رئيس الجمعية الوطنية، الذي سلم نسخة من مبادرته لولد عبد العزيز ولمنسقية المعارضة الديمقراطية، ينتظر ردا مكتوبا من الطرفين، قبل أن يتخذ أي موقف علني. وما يعزز هذا الاحتمال الثاني هو ما كرره الرجل في أكثر من مناسبة، من أنه لا يتعاطى مع الشائعات والقيل والقال، بل مع الردود الرسمية.
وبهذا المعنى فإن القول باستقالة الاطفائي العجوز أو فشل مبادرته هو أمر سابق لأوانه، فحتى لو كانت المبادرة تعيش هذه الأيام حالة موت سريري ، إلا أنه ما زال في عمرها بقية، على الأقل إلى أن يتحدث ولد بلخير، ويومها فقط سنعرف ما إذا كان الحريق قد تعذر على الاطفائي، أم ما زال في جعبته بقية من ماء.
آراء حرة