تنشر "الرأي المستنير" في إطار تأبين الراحل الرئيس السابق المصطفى ولد محمد السالك ترجمة لمقال بقلم الاستاذ إدوم ولد محمد الأمين يتحدث عن الرجل إبان ترشحه لرئاسيات 1992 نشر على صفحات موريتانيا الغد (Mauritanie Demain) في العدد 37 من 8 إلى 14 يناير 1992 الصفحة 3، تحت عنوان: "ولد السالك: المترشح الذي يتكلم من القلب":
"الرجل الذي استقبل الصحافة فاتح يناير 1992 في حي تواضع مع مر الزمن، كان عقيدا ورئيسا للدولة. وهو من بنى لموريتانيا جيشها؛ الجيش نفسه الذي استولى على السلطة بقيادته من أجل "إنقاذ البلاد" التي أنهكتها حرب طال عليها الأمد آنذاك واصبحت باهظة الكلفة.
إنه هو من علم عقداءنا، رفاق دربه، كيف يطيحون بالنظام، وهي المهمة التي قاموا بها مرات من بعده. وقد زج به أحد هؤلاء في زنزانة وعامله كأي سجين حق عام. لقد قرر في اللحظة الأخيرة الترشح لرئاسة الدولة "كي يكون حاضرا ويشارك في منبر يجري خلاله الحديث عن الديمقراطية".
يمتاز المصطفى ولد محمد السالك من بين جميع المترشحين بالوضوح. لا سذاجة بل صراحة وصدقا، ولا تشكل السلطة في حد ذاتها غاية بالنسبة له. ويمكننا الجزم بذلك لسببين: أولهما: أنه استقال من اللجنة العسكرية للتقويم (أو الخلاص؟) الوطني عندما تأكد فعلا أن رفاقه لا يريدون إرساء الديمقراطية –كان ذلك غداة إنشاء مجلس وطني استشاري.
وثانيهما: أن هذا الرجل، وهو يترشح لرئاسة جمهورية قد تدوم –إن تم انتخابه- بحكم الدستور عشر سنوات فإنه لا ينوي البقاء في السلطة أكثر من سنتين: "أريد أن أمكث فقط لمدة تسمح بتجذير الديمقراطية". هذا تقريبا هو ما أدلى به للصحافة في لغة تذكر بمهنته الأولى: معلم. يا للوجدانية! خاصة إذا عرفنا أن من بين دوافعه الرئيسية للترشح يوجد حرصه على المشاركة في الاحتفال بوفاء العسكريين بتعهدهم والتذكير بأنه واحد منهم وبأنه هو من علمهم –إضافة إلى أمور أخرى- أن يجنحوا إلى الدمقرطة.
يمتاز ولد محمد السالك أيضا بأنه يستخدم كلمات نادرة في خطابات مترشحينا الذين أدلوا حتى الآن بتصاريح: "الوطن"، "موريتانيا العزيزة"... كلمات تنفذ مباشرة إلى القلب. بالتأكيد هو ليس مرشح اهل الشرق، بل مرشح الفقراء والمنسيين في زمن الأطماع والطموحات الزائدة هذا. مرشح شعبه بأسره. لكن ذلك لا يمنعه أن يعترف وبكل صدق بأنه ينتمي لأهل الشرق. ويشعر بآلامهم وإحساسهم بالغبن وبأنه يعتز بذلك.
إذا تذكرنا أن هذا هو بالضبط ما يدور في وجدان كل مترشح وإن لم يعترف بذلك ندرك تماما مدى صدق ونزاهة الرجل العجوز الذي يلبي نداء "الوطن الحبيب".
في 1992، أي 8 سنوات فقط قبل عام 2000 وفي عالم تعرض فيه الأوطان بثمن بخس في سوق النخاسة الدولية يبعث الوازع الوطني لدى ولد محمد السالك على الاعتزاز. لا شك أن هذا الإحساس هو الذي دفعه إلى رفض اللجوء للقوة من اجل فرض الديمقراطية ومنعه من وأد فيروس التهافت على كرسي الحكم الذي أصاب رفاقه –بوسيف، هيداله، ولد الطايع- في المهد. وكان ذلك في مقدوره كما يقول: "القيام بحمام دم صغير ويعود كل شيء إلى مجراه". عدل عن ذلك لأن كثيرا من الدماء سالت في البلد بما يكفي.
هل فكر أنه أصبح الآن بإمكانه مواصلة ذلك المشوار من حيث أوقفه؟ مهما يكن فإحساسنا هو أنه مترشح من نوع خاص في البلد: إنه يتكلم من القلب.
إدوم ولد محمد الأمين
موريتانيا الغد العدد 37 من 8 إلى 14 يناير 1992 الصفحة 3"