ربما يعتبر ولد الغزواني أن ولد عبد العزير صديق يمحضه الود و يكنّ له الاحترام، و أنه تماما كالأخ الذي يصفه الشاعر بقوله:
إن أخاك الحقَّ من يسعى معك
و من يضرُّ نفسه لينفعك
و من إذا ريب الزمان صدعك
شتّت فيك شمله ليجمعك
و ربما يظن أن من الإيثار أن يتأخر ولد عبد العزيز عن المأمورية الثالثة ليقدمه لمأمورية أولى.. غير أن ما ينبغي أن يدركه ولد الغزواني هو أن الهدية التي يقدمها له “صديقه و رفيقه” مسمومة، و أنه خبّأ تحت الوسادة الوثيرة التي سينيمه عليها عبوة ناسفة.
هجر ماكي سال و أمادو برو قصري الرئاسة بغامبيا و دكار، لأن في اعتقادهما أن واد و جامى دفنا باطنَ القصرين من الجداول و الأوفاق و الطلاسم ما سيعجل بدفنهما باطن الأرض.. فلا يزال الرئيس سال يسكن الفيلا التي اقتناها على كورنيش دكار، كما لا يزال بارو يقيم خارج أسوار جامى، الذي هدّد قبل مغادرة بانجول بالإغارة على الدرويش بارو بجيش من العفاريت.
رغم إيمان جنرال داروموستي بالسحر و السحرة و ضاربات الودع و قارءات الرمل فربما لن تكون هذه “الأسباب الخفية” مخيفة لابن زوايا الغظف.. غير أن القنابل الانشطارية التي تركها ولد عبد العزيز من نوع آخر. فهي مثلاً قضية المدون الشاب ولد امخيطير، الذي حكمت المحكمة بإطلاق سراحه، فلم يتجرأ ولد عبد العزيز على ذلك خشية الهبة الشعبية المتوقعة، فتركه رهين محبسه إلى يصل غيره للسلطة ليخلي سبيله فيثير غضب الشارع، أو يواصل سجنه فيصيب حنق الحقوقيين في العالم.
و من هذه الألغام قانون المعاقبة على قرصنة الكهرباء، و هو قانون سبق لولد عبد العزيز أن سحبه، بعد تقارير نبهت لخطورة تطبيقه، حيث أن أكثر من 90% من الموريتانييون قراصنة كهرباء، إذ لا تسعفهم ظروفهم بدفع مستحقاتها الباهظة. و قد عرض ولد عبد العزيز القانون مؤخرا على البرلمان لإجازته و تفعيله، ليجد ولد الغزواني أمامه قانوناً نووياً، لن يبقي تطبيقه مواطناً موريتانيا خارج القضبان، كما سيكون عدم العمل به تعطيلاً لقانون.. غير أنه يمكن أن تتم الانتقائية في تطبيقه ليردع به أمثال محمد الامين ولد داهي الذي غسلت فاتورة كهرباء بعشرين مليون أوقية دماغه من كل فتاوى الفقه الدستوري المزعجة، أو محمد يحظيه ولد مولاي الحسن الذي أكلت الأرَضَة لسانه بعد فاتورة فندقه سمير أميس الضخمة.
و من جملة هذه العبوات الناسفة التي سيجدها ولد الغزواني تحت وسادته نازلة ديون الشيخ الرضا، التي بلغت المليارات، فالسكوت عنها مثير لغضب الدائنين، و الكلام فيها سينبش ملفات لن ينجو منها “عزيز” و لا ذليل.. و سيثير يعاسيب من وكناتها، مستهلَّ حكم لم يستتب لصاحبه بعد.
و من جملة هذه الكوارث موضوع “التنصت على هواتف المواطنين” الذي كان احميده ولد اباه جذيلَه المحكّك، الذي اطلّع به على أسرار المواطنين و خصوصياتهم، فوشى و نمّ و هدّد و ابتز و أفسد العلاقات و أوغر الصدور، و لم ينجُ حتى الجنرال غزواني من شرّه المستطير. فهل سيفتح الرئيس القادم هذا الملف الذي سيكون عزيز أول المتابعين فيه، أم سيوليه الصمّاء من أذنيه، ليستمر اضطهاد المواطن و الاستهتار بحقوقه و خصوصياته.
و ماذا سيفعل ولدالغزواني مع لغم آخر: الاستهداف الظالم للمعارضين المنفيين خارج أوطانهم المصطفى ولد الشافعي و محمد ولد بوعماتو، اللذين لفّقت لهما التهم، و فُبركت الملفات، و أُصدرت مذكرات التوقيف الدولية، لأنهما عارضا نمط تسيير ولد العزيز للبلاد، و تطلّعا بالحسنى لما هو أفضل لبلدهما.. هل سيواصل ولد الغزواني ظلمهما، أم سيرفع عنهما الضيم، فيجرّ بذلك غضب “رفيقه و صديقه”.؟!
و كيف سيتعامل معي أنا العبد لله و أصدقائي أولاد لبلاد فقد تجرعنا غلل ظلم النظام فلم نقصعها، منتظرين نظاماً لا يعاقب على رأي و لا يدين على موقف؟!.. فهل سيكون ولد الغزواني هو ذلك النظام؟
هذا غيض من فيض، و قطرة في بحر المشاكل التي سيمرّرها لخلفه المرجح أن يكون ولد الغزواني، و سيكشف تعامله معها عن مدى أهليته لإدارة شؤون البلاد، فإما إن ينصف الملهوفين، و يحسن التعامل مع الملفات، و إلا جرفه تيار تغيير هو القدر القادم.!