غريب أمر الوزراء في بلدنا.. حين يجد أحدهم نفسه أمام كومة من أخطائه يلتفت يمينا وشمالا حتى إذا لم يجد الخلاص صب لعناته على الصحافة المستقلة، ولا يعلم المسكين أنه سيدخل بعد تجريده من مهامه دور النشر والصحافة بحثا عن تلميع جديد وقناع جديد يدخل به قلب الحاكم من جديد... لكن الشيء الذي لا يعلمه القراء أن الوزراء أحذق منا جميعا.. فحين يسب أحدهم الإعلام المستقل في البرلمان أو في غيره يبادر في الخروج من الجلسة لإجراء مكالمات سريعة مع من يعرف من الصحفيين ويكون الحوار عادة من قبيل: إنهم مجانين، تصور، صحفي من حملة الحقائب يتحدث عنا في حين أن الصحافة المحترمة من أمثالكم لم تذكر وزارتنا أو قطاعنا بسوء .. سنلتقي غدا في المكتب لنكمل النقاش فقد عصبتني "البشمركة"... يوزع مكالمات من هذا القبيل وبعدها ينظم جلسة شاي في الصباح وتنتهي المشكلة ويضمن الوزير انه رد على الاتهامات ودفن المكشوف وأفحم محاوريه، وضمن التلميع والقناع بعد التجريد إثر المبالغة في السرقة.
أذكر أحد الأشخاص، كان دائما يزور مقر صحيفة ما، كان يبحث عن الشهرة السياسية والذكر الحسن لدى "ربه".. جند لهذه المهمة المستحيلة الفراش والصحفي وصاحب المحل التجاري المجاور.. أبرم اتفاقية قرض طويل الأمد مع صاحب المحل.. الشاي والحليب والخبز والسجائر يوميا لجل الصحفيين مقابل ذكره متى كان ذلك مناسبا.. بعد أشهر عين الوزير بطريقة سحرية وغامضة إلى الآن فبدأ صاحب المحل يضيق بهذا الواقع.. لقد ابتعد الرجل كثيرا وأسوأ ما يعانيه التجار هو ابتعاد المدين بالدين.
صال الرجل وجال في السياسة لكنه كنهاية لكل توزير خرج من الوزارة.. لم يعد إلى صاحب المحل لقضاء دينه، لأن الجريدة اختفت وبالتالي فلا أهمية لذلك القرض وبدأ البحث عن أخرى عله يعود.
هكذا هم الوزراء، أناس تتلقفهم لحظة رئاسية فيتحولون إلى أشياء أخرى، بعضهم عمل للوصول وبعضهم وصل دون أن يحرك لذاك ساكنا.
من بين هؤلاء يبرز دائما وزير الدفاع، فمنصب وزير الدفاع هو المنصب الذي لا يتطلب أي شيء على الإطلاق، فالجيش يأتمر بأوامر قادة الأركان، وقادة الأركان ملك للانقلابي الحاكم.. وبالتالي يبقى لوزير الدفاع أن يسافر إلى الخارج ليحضر مؤتمرات غير متخصصة.. يتناول الدونات والسكاكر ويقضم المقرمشات ويترطب و يتضلع من العصائر ويضحك لخبراء الحرب في العالم فيظنونه منهم وهم غافلون.. يعود إلى ذويه براتب تقاضاه عن أشياء لا يعرفها.. لا يعرف وزير الدفاع عن الدفاع إلا أن خير وسيلة لتحقيقه هي الهجوم على الصحفيين بالطريقة الأنفة الذكر.
على وزير الدفاع أن يفهم أن الوزير المدني للدفاع في عالم الضباط والانقلابات عبارة عن العدم من حيث الأداء لكنه شخص محترم كبشر وزعيم قبلي في أغلب الأحوال، وإلا لما حظي بلقب وزير وإن بلا وزارة... المهم هو الراتب والامتيازات والقبيلة وما سوى ذلك مثالية حمقاء لا تقدم ولا تؤخر.. ما فائدة العمل ما دمت أتقاضى الراتب والامتيازات وينعتني الناس بالوزير؟
اوافقك الرأي لكنني اعتقد أن العمل وحده وليس الراتب والامتيازات فقط يلجم صاحبه عن الناس.. والفراغ ربما يقود إلى التهجم على الصحفيين، وجل هؤلاء وزراء دفاع في المهنة أي أنهم لا يشتغلون بدوام كامل ولا حتى بجزئي، الشيء الذي يسمح لهم بالتفرغ للبحث عن سوءات وزير الدفاع... شخصيا لا أعلم عن وزير الدفاع أي سوء إلا أنه لا يتعب كثيرا في عمله المريح.