اعذروني لن أتبرع لغزة ما دام أهل "آدوابه" يبيتون على الطوى وما دام هناك أطفال في نواكشوط يتسكعون في الشوارع يستجدون قوت يومهم، لن أتبرع من أجل غزة ولا غير غزة ما دام هناك مواطنون في بلدي لا يملكون ثمن الدواء وآخرون يعانون من شح الماء وآخرون يلتحفون السماء.
لن أتبرع ما دام هناك أطفال في بلدي لا يملكون ثمن الدفاتر والأقلام ولا توفر لهم فرص تعليم متساوية. لن أتبرع لغزة ما دام هناك آلاف اللاجئين على حدود بلدي لا تسأل عنهم سوى المنظمات الأجنبية، يعيشون في العراء يطحنهم البرد القارس.
لن أتظاهر من أجل غزة ما دام وطني مخطوفا من العسكر، ما داموا يدوسون على الحريات بأحذيتهم الثقيلة.
بعض مواطنينا للأسف الشديد إحساسهم بالآخر وهمه، أكبر بكثير من إحساسهم بهذا الوطن وشجونه. بعد الانقلاب المشؤوم قامت مظاهرات منددة ولكنها لم تكن عشر ولا واحدا في المائة من أي مظاهرات داعمة لغزة، تقوم المظاهرات لأن الكهرباء أو الماء قطعا عن غزة ولكن لا أحد يحرك ساكنا عندما يموت سكان مقطع لحجار –مثلا- من العطش وسكان أكجوجت من السموم والنفايات!
نتحدث كل الوقت عن عنصرية العدو الصهيوني ولكن لا أحد يهتم بالعنصرية في هذا المنكب البرزخي، لا أحد يتظاهر من أجل رفع الظلم عن الطبقات المسحوقة فيه. لو كان ولد دحود أو بزيد أحرقا نفسيهما في غزة لقامت الدنيا ولم تقعد، لو كان عزيز قام بانقلابه على حركة حماس، لامتلأت شوارع نواكشوط بالمظاهرات، لكنه للأسف انقلب فقط في موريتانيا. إذا ليس هذا مهما.
من المؤسف والمؤلم حقا ما يحدث في فلسطين و التضامن معها أمر صحي، لكن الأقرب ثم الأقرب.
متى نرى موريتانيين يتبرعون لآدوابه؟ ومتى نرى مواطنين يتبرعون لضحايا الجفاف؟ ومن لنا بمن يتبرع لمائة ألف لاجئ على حدودنا؟
مواطنونا هم كظل "أمندور" (نخلة طويلة بلا أعراش لا يجد ظلها إلا البعيد عنها)، أم هي عقدة النقص التي تلاحقنا لتجعلنا نحاول دوما إثبات انتمائنا لوطن عربي لا يقبل بنا حتى جزءا منه؟