في الآونة الأخيرة تشهد الساحة السياسية للبلد حراكا قويا، ودعوات كثيرة للإطاحة بالنظام، وبين الطبالين ودعاة التخريب تفرقت الطوائف وادعى الكل وصله بالصواب وأنه من سيجدد عصرا عمته الفوضى والفتن، فالسلطة وموالاتها لا يرفع أحد منهما عقيرته - منذ استلامهم مقاليد الأمور- إلا وأشاد بـ "فخامته" وزعم انه أول من قاد الثورات وصحح المسار العربي بانقلابه على الشرعية الدستورية، وأن الثورات العربية قبس من نور خطوته آن ذاك. وضيعت أقلام كثيرة حبرها في الدفاع عن برنامج الحكومة الذي لم يلمس منه المواطن إلى حد الآن إلا وعودا كلما حان وقت تحقيقها نكثت أو أجلت.
وقد كان جليا للجميع أن مسارا أقصيت فيه الكفاءات وهمش فيه المخلصون، وأعطي فيه عطاء من لا يملك لمن لا يستحق؛ إنما هو مسار خاطئ. مسار وعدت فيه الحكومة بالحرية والديمقراطية ومحاربة الفساد فكانت تزج بالمعارضين لبرنامجها في السجون.
وكان من الإصلاح لديها تعطيل المعاهد العلمية وإغلاقها، وزرع بذور الفتنة بين الطلاب في الجامعة. ومن معاني الإصلاح أيضا عندها غلاء الأسعار المتصاعد حتى يساق الفقير إلى ساحات التشهير بفقره من أجل قوت لا يغني من جوع فيتراءى للعالم عجزه في طوابير لها بداية ولا نهاية لها تدور كالسبحة؛ فاليوم كالغد والغد.
ولكن رغم أننا نرى أخطاء واضحة تشوب "مسار التصحيح!" تعرضت للقليل منها إلا أنني لن أقف في صف دعاة التخريب الذين يرون من معان الإصلاح والثورة استباق الأحداث؛ وسدا للذريعة فينكبون على التخريب بدافع الخوف من التخريب، فأي ثورة يريد هؤلاء أهو ما يزعمون أنه الربيع العربي وما رأينا ربيعا عربيا أبدا بل موت وخسائر فادحة هزت دولا كبيرة وقتلت آلاف الأبرياء وشردت ملايين وحرمتهم أمانهم وراحة بالهم وأضرت باقتصادهم وهذا ما لا نرجوه لبلدنا.
إن الثورة التي يطالب بها البعض إنما تعني تكوين جيش من اللصوص والمخربين تحت لوائها لا يدرون عنهم ولا يتحكمون فيهم، فيكون التنكيل من الشعب بالشعب وهذه الثورة إنما تعني تعطيل الدستور ومؤسسات الدولة –كما تفعل الانقلابات والانقلابيون- وشل حركة التقدم البطيئة أصلا فخير لنا التقدم ببطء من الرجوع إلى العنف بالقتل والحرق وظلم الأنفس التي حرم الله فمتى كان قتل النفس التي حرم الله تعالى حلا لأزمة، أو وسيلة للضغط المشروع.
إن النموذج العربي يقتضي أن نكون ببغاءات نكرر ما سمعنا على شاشات التلفاز مرارا: الشعب يريد..... ويليها ما يليها، وكأن مسار مثقفي هذا البلد إما أن يكون إفراطا في الغلو والعنف أو تفريطا نحو واجبه بالوقوف والاعتراض السلمي والتعبير الهادف من اجل تحقيق الأفضل. أليس من الأفضل أن يكون الوقوف في المظاهرات سلميا أولا بهدف الاعتراض على وضعية ما بمطالب معينة تعرض على الحكومة، أو اعتراض على وظيفة شخص بإبداء تقصيره للرأي العام وللرئيس نفسه، أليس هذا أفضل من الإطاحة بنظام منتخب من طرف الشعب! ما قضى بعد إلا سنوات قليلة من فترته وإن ساءت الأحوال فيها.
وليس هناك أي وجه للمقارنة بيننا وبين تلك الأنظمة البائدة والمستبدة الآن في الدول العربية فتلك أنظمة قديمة النشأة ظالمة ومستبدة قتلت وسجنت دون حسيب ولا رقيب وتآمرت على قضايا الأمة ملها شعبها فأراد الخلاص فواجهته بالنكال والخراب، وقالت إن الأوطان لا تساوي شيئا بلا فخامته أو زعامته، أو قيادته، وهو حال لم تصل إليه بلادنا بعد.
أليس الأفضل أن نكون واثقين من أنفسنا متريثين على بلدنا حتى نوصله أبواب الانتخابات القادمة، وحينها لكل مقام مقال فنعيش تحت ظل الأمن والأمان. ونتجنب "الفتن قطع الليل المظلم" فتكون مطالبنا منطقية ديمقراطية في نطاق الدستور، أليس بين طلب الثورة وطلب الثروة مكان لشعبنا يستطيع البقاء فيه إلى أن يشاء الله لنا الخلاص أو يهدي حاكمينا، لصالح وطننا العزي