لقد أصبح من الواضح جدا بأن نائب ازويرات الشيخ ولد بايه هو مرشح الرئيس ولد عبد العزيز لرئاسة البرلمان، ولذلك فلم يتم إصدار مرسوم رئاسي لاستدعاء البرلمان إلا في يوم الجمعة الموافق 5 أكتوبر ، وذلك بعد أن تأكد إقلاع الطائرة التي سيعود فيها ولد بايه إلى أرض الوطن. هكذا، وبكل وبساطة، تم خرق الدستور، وتم تأجيل جلسة كان يجب أن تنعقد في أول يوم عمل من شهر أكتوبر بنص المادة 52 من الدستور الموريتاني، وذلك لأن الظروف الصحية للصديق الشخصي للرئيس ولد عبد العزيز لم تسمح له بالعودة في ذلك اليوم.
هكذا، وبكل بساطة، تم خرق الدستور لضمان ترشيح ولد بايه لرئاسة البرلمان، ولكن دعونا نسأل : هل تم حسم رئاسة البرلمان لصالح ولد بايه؟
يمتلك ولد بايه نقطة قوة وحيدة للفوز برئاسة البرلمان، وهي أن الرئيس ولد عبد العزيز يريده رئيسا للبرلمان وربما يريده من بعد ذلك لشيء آخر، ويكفي ولد بايه من نقاط القوة نقطة القوة هذه لكي يضمن الفوز برئاسة البرلمان.
فحسب ظواهر الأمور فإن رئاسة ولد بايه للبرلمان قد أصبحت شبه محسومة، ولكن حسب بواطنها، فإنه لا شيء قد حُسِم، خاصة إذا ما تذكرنا:
1 ـ أن هناك استياءً كبيرا لدى عدد من النواب من الطريقة التي تم التعامل معهم بها، فهم لم يستشاروا في مسألة ترشيح ولد بايه، ولم يتم إشعارهم بترشيحه حتى الآن، وسيطلب منهم وفي آخر لحظة (ليلة الأحد)، وبصيغة الأمر أن يصوتوا لولد بايه..هذا الأسلوب من التعامل غير اللائق هو الذي أدى إلى تصويت عدد من شيوخ الأغلبية ضد التعديلات الدستورية..فهل ستتكرر الحكاية مع عدد من نواب الأغلبية، وخاصة منهم أولئك الذين أبدوا انزعاجهم من تأجيل الجلسة البرلمانية عن موعدها المقرر دستوريا، ودون أن يتم إشعارهم بذلك.
2 ـ التذمر الذي يبديه بعض نواب المناطق الشرقية، وبعض نواب المناطق الأخرى من سيطرة جهة واحدة على الواجهة السياسية للنظام في هذه المرحلة الفاصلة، ففي حالة انتخاب ولد بايه رئيسا للبرلمان، فسيصبح رئيس الدولة ورئيس البرلمان ورئيس الحزب الحاكم ورئيس فريقه البرلماني من جهة واحدة ، ومن عرق واحد، وهو ما سيخل كثيرا بالتوازنات العرقية والمناطقية في الواجهة السياسية للنظام الحاكم.
3 ـ القلق الذي يُساور عدد من نواب الأغلبية، وخاصة منهم أولئك الذين يروجون لترشيح قائد الجيوش بعد تقاعده لرئاسيات 2019، فهؤلاء سيشعرون بالقلق من فوز ولد بايه برئاسة البرلمان، ففي حالة فوزه برئاسة البرلمان، فإن نفوذ قائد الجيوش سيزداد تقلصا وانحسارا، وخاصة من بعد تقاعده.
4 ـ الصراع القوي بين ولد بايه وولد حدمين، ولا شك أن ولد حدمين سيطلب من كل النواب المحسوبين عليه بأن يصوتوا ضد ولد بايه، فنجاح ولد بايه سيعني بأن ولد حدمين لن يعيش أياما مريحة بعد ذلك الفوز، حتى ولو تم الاحتفاظ به كوزير أول، وكيف له أن يعيش أياما مريحة في ظل برلمان يرأسه ولد بايه وحزب حاكم يرأسه ولد محم؟
من المؤكد بأن رسائل الاستقبال الشعبي لولد بايه، وقيادة ولد محم للسيارة التي أوصلت ولد بايه من المطار، من المؤكد بأن تلك الرسائل قد وصلت إلى أكثر من صندوق بريد، وبما فيها صندوق بريد الوزير الأول.
إن لترشيح ولد بايه العديد من الرافضين، وإن لرئاسته للبرلمان العديد من الخصوم في البرلمان وفي النظام بصفة عامة، وبإمكان هؤلاء إن وحدوا جهودهم أن يمنعوه من الفوز برئاسة البرلمان، ومن المؤكد بأنهم سيجدون دعما تلقائيا من نواب المعارضة.
إن الأمر لا يحتاج إلا للقليل من التنسيق والاحترافية بين خصوم ولد بايه الكثر، خاصة وأن التصويت على المرشحين سيكون سريا، وأنه لابد من حسم رئاسة البرلمان في أول جلسة، ففي حالة وجود شوط ثان فإنه لابد أن يحسم ذلك الشوط في نفس الجلسة.
إن رئاسة البرلمان في هذه الفترة ستكون مغرية جدا لكل سياسي طموح، وهي تستحق شيئا من المخاطرة والشجاعة، فمن سيحظى برئاسة البرلمان فلن يكون بالإمكان عزله إلا بحل البرلمان وبالدعوة إلى انتخابات جديدة الشيء الذي لن يكون إلا في ظل الرئيس القادم. إن من سيضمن الفوز برئاسة البرلمان الحالي، فإنه سيضمن البقاء في المشهد السياسي حتى من بعد خروج ولد عبد العزيز من السلطة، وإن في ذلك ما يغري للترشح لهذا المنصب لمن لا يستبعد فوزه في ظل الظرفية الحالية.
كدتُ أن أقول بصريح العبارة بأنه على النائب "فلان" أن يترشح لمنافسة ولد بايه على رئاسة البرلمان، فاحتمالات فوزه لن تكون بالضعيفة جدا.
لقد نافس النائب ولد جدين مسعود ولد بلخير على رئاسة برلمان 2006، ونافس نائبا كبني وأكجوجت ولد أبيليل على رئاسة برلمان 2013، فمن سينافس من نواب الأغلبية ولد بايه على رئاسة برلمان 2018؟
هذه المرة ستكون حظوظ المنافس أكبر إن كان المنافس هو النائب فلان أو النائب فلان.
حفظ الله موريتانيا...
محمد الأمين ولد الفاضل