من المعلوم بداهة أن المرأة هي نصف المجتمع، وهي أجمل ما فيه من حيث العواطف، لكنها أعقد ما فيه من حيث المشكلات والعوائق، وهو ما يحتم علينا أن نفكر في قضيتها باعتبارها قضية المجتمع، لأن نصف المجتمع إذا تعطل سيختل توازنه وتضعف قواه.
وقبل أن أتحدث عن العوائق والتحديات التي تعترض المرأة في حياتها بشكل عام لابد أن نتحدث أولا عن المشاكل التي تنبع من المرأة نفسها، إن مشكلةََََ المرأة الأساسية تبدو فيما عُرف في الأمثال العربية قديما "على نفسها جنت براقش" أو ما حك جلدك غير غفرك" وذلك أن كثيرا من النساء الموريتانيات لا يطمحن لهدف نبيل ولا يسعين لنزع حقوقهن المغتصبة بل يفرطن فيها أيما تفريط، وإن فعلن فإن ذلك يكون قبل الزواج وإنجاب الأولاد، والأدهى والأمر أنه حين تسعى إحداهن وتناضل لنيل حقوقها أو تكدح لتتبوأ مناصب عالية في الدولة، يرشقنها زميلاتها بأشنع العبارات ويقذفنها بأشد الاتهامات، معتبرين أن ذلك يفقدها أنوثتها.
وقد رأينا في بلادنا أن أغلب النسوة لا يصوتن لبنات جنسهن في الانتخابات بل يسخرن منهن أحيانا، حتى صارت هناك عقلية سائدة في المجتمع مفادها أن المرأة المثقفة ينفر منها الرجال وتبغضها النساء، ولا شك أن هناك بعض العوائق الأخرى التي تأتي من قبل الأسرة والزوج خاصة ويتمثل ذلك في الضغوط على المرأة كي لا تظهر على شاشة التلفاز أو عبر الأثير بدعوى حماية عرضها.
وهناك من يذهب أبعد من ذلك فيمنعها من دخول المدارس النظامية خشية الاختلاط الذي ربما يفضي إلى اغتصابها وانتهاك حرمتها، علما أن طلب العلم فريضة شرعية على كل مسلم، والغريب في الأمر أنهم يسمحون لها بدخول الأسواق والحفلات الاجتماعية، مما يجعل هذه المبررات واهية تماما ولا معنى لها بل هي مجرد عادات سلبية تجب محاربتها والتخلص منها. وإن من أبرز ما تعانيه النساء هو استغلالهن من قبل السياسيين الذين يوظفون مطالبهن الحقوقية لنيل مكاسب سياسية خصوصا أيام الانتخابات، حيث أن أغلب القادة المتنافسين يعولون على صوت المرأة فيدغدغون مشاعرها بشعارات جوفاء ووعود براقة لحاجة في نفوسهم، دون إيمان حقيقي بقضيتها مع العلم أن هذه الوعود تغل حبرا على ورق، ويظهر ذلك جليا عندما يتعرض هؤلاء القادة لضغوط دولية لا قبل لهم بها، حينئذ فقط، يتذكرون أن للمرأة حقا يجب منحه إياها.
وأذكرُكم هنا بالانتخابات الرئاسية التي أجريت في موريتانيا سنة 2004 حينما رشح الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع سيدة من داخل حزبه لتنافسه على كرسي الرئاسة، موهما للعالم أنها جاءت من تلقاء نفسها، بينما كانت في حقيقة أمرها مجرد دمية يحركها النظام بيده، هذه التصرفات المخادعة تُكسب الأنظمة العربية سمعة دولية طيبة تمنحهم القبول عالميا وتخولهم الاستمرار في مناصبهم وذلك غاية ما يطلبون. وبالنسبة لواقع المرأة الصحفية فإن موضوع التكوين المهني، هو أكبر عائق أمام النساء العاملات في مجال الإعلام، وذلك لقلة مراكز التعليم والتكوين الصحفي في البلاد، حيث لم يوجد في موريتانيا إلى عهد قريب، مركزا وطنيا يُعنى بهذا الموضوع، فضلا عن الكليات والمعاهد المٌختصَة، هذا بالإضافة إلى تدني الأجور.
وعلى الرغم من ذلك كله فإن المرأة الموريتانية سجلت حضورا كبيرا في المؤسسات الإعلامية، إلى حد أنه ناهز مستوى نسبة الرجال، في الإذاعة مثلا، مما مكن بعضهن من تبَوُئ مراكز قيادية وإدارية هامة، وقد كرمت بعضهن في عدة محافل دولية كان من بينها منتدى المرأة العربية الرابع الذي عقد في الإمارات، وخير دليل على حضور المرأة الإعلامية الموريتانية هو أن المديرة العامة لإذاعة موريتانيا سابقا كانت امرأة، وكذلك الحال بالنسبة لقطاع الأخبار حاليا، وليس هذا فحسب بل إن نسبة النساء في البرلمان بلغت 20% هذا فضلا عن العمل الإداري والحكومي.
يعود هذا الحضور إلى أن العادات والتقاليد الاجتماعية في بعض الأقاليم الوطنية لم تكن حجر عثرة دون ولوج المرأة فيما تصبوا إليه، فلطالما كانت المرأة الموريتانية عبر العصور وما تزال، تزاحم أخيه الرجل في عدة جوانب، بيد أن هذا الحضور كان كثيرا من حيث الكم قليلا من حيث الكيف، فأغلب النساء الصحفيات لا ينظرن إلى مهنتهن بصفتها سلطة رابعة تساهم في الإصلاح والتنمية البشرية، إلا بقدر ما يعتبرنها مصدرا للكسب والمعاش، أو وسيلة يعرضن فيها ذواتهن من أجل نيل الشهرة والجاه، وهو الشيء الذي أصبغ على هذه المهنة صورة سلبية، أظهرت المرأةَ الصحفية وكأنها لا تهتم إلا بعرض الأزياء وأدوات التجميل وغير ذلك من الشكليات، وبهذا المعنى فقد أصبح بإمكاننا أن نُصنف النساء في بلادنا إلى ثلاثة أصناف: أولهن: تلك التي جمعت بين أناقة المظهر وجمال المضمون مع سُمو الهدف الذي تسعى إليه من تثقيف المجتمع ونشر مفاهيم الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حتى جعلت من نفسها قدوة لغيرها ومثالا حسنا يحتذى.
والثانية: تظهر في صورة امرأة تقليدية منطوية على ذاتها وغير فاعلة في المجتمع حيث تغَلبَ حياؤها على علمها وعملها، مما جعلها لا تبالي بما يجري حولها من أحداث متسارعة وتطورات علمية وتقنية هائلة.
والثالثة: قد أطلقت لنفسها العنان في شهواتها ورغباتها تقلد المرأة الغربية تقليدا أعمى دون مراعاة الفروق بينهن في الدين والعادات، فصار كل همِها وهمَتها في الأشكال لا في المضامين، مما أفقدها رسالتها النبيلة ومهنتها الشريفة وصارت منبوذة في مجتمعها، معزولة عن محيطها.
وإذا كنا جادين في تحسين مظهر المرأة العربية في السياسة والإعلام فإنه يتحتم علينا مراعاة الأمور التالية:
1 توعية المرأة حتى تهتم بمضمون المهنة أكثر من اهتمامها بشكلها.
2 محاربة العادات والتقاليد السلبية التي تعيق المرأة عن العلم والعمل.
3 تكوين النساء العاملات وتطوير مهاراتهن المهنية ليتمكن من أداء واجبهن بشكل أفضل.
4 تنبيه المرأة الإعلامية على ضرورة احترام دين المجتمع وتقاليده حتى لا يعكس ذلك صورة سلبية عنها.
5 تحسين ظروفهن المعيشية وإدماجهن في العمل الرسمي، حيث أن أغلب النسوة العاملات في المؤسسات العمومية لا يعملن إلا بصفتهن متعاونات، وهو ما يولد إحباطا في نفوسهن