من تُخوم تكانت حيث العلم والعلماء ومن غصون شجرة "أهل ابَّاتْ الطاهرة" على أديم تلك البعقة المباركةولدت زينب بنت الطالب أحمد ولد طوير الجنة لأبيها العالم الزاهد سيد عالى ولد الطالب أحمد،جاءت لتترعرع في بئة زهد وصلاح وعلم وورع سرعان ماجعلتها محط أنظار الباحثين وأصحاب الهممالعالية عن المرأة الصالحة ليكتب التاريخ فى إحدى صفحاته المشرقة عناق المجد والإباء ويمتد حبل الوصل موثوقا بعرى الأخوة والوفاء بين المحروسة انتاكات وديسق الأبية، وهكذا دخلت زينب عليها رحمة الله انتاكات من بابها الواسع حين تزوجت بالوالد الحافظ العابد الزاهد سيد محمد ولد عمير رحمة الله عليه، تمر الأيام ويَتَعرفُ أهل انتاكات على زينب بأخلاقها العالية وكرمها النادر وعبادتها وحبها للعلم والعلماء فيعرفون لها قدرها ويلقبونها ب:( منت طوير الجنة) بعد أن شعفها حبا أهل تلك القرية النادر أهلها، تلك القرية الصغيرة شكلا يومها والكبيرة معنى في سائر الأيام رغم عواهل الدهر ونكباته، نقشت زينب اسمها على صخرة الزمن الجميل بين نخيل انتاكات وهضابها الآسرة بحروف المجد والإباء ومن مداد الكرم والوفاء ليخلدها التاريخ وتلهج بذكرها الألسن وتلك لعمري شيَّمُ الصالحات وقليل ماهُمْ إن وُجِدُوا.
أحبت زينب انتاكات فأقامت بها ولم تكن وهى العارفة بصلة الأرحام وذوى القربى لتضيع فرصة تري فيها أهلها رغم بعد المشقة في ذلك الزمان، لاتفارقنى مقولتها المشهورة وهى تحِنُّ لزيارة الأقارب في مدينة كيفه الحبيبة (كيفه كِيفِتْنَ وأهل يِبْتْنَ)، عاشت زينب رحمة الله عليها عمرا مليئا بالعطاء جمعت فيه بين التربية والتعليم وحجت خلاله بيت الله الحرام بعد أن تعلق قلبها بطيبة الغراء لتشد الرجال مُيمِّمَتْ وجهها شطر بيت الله الحرام رفقة ابنها البار بها محمد ولد عمير أطال الله بقاءه وهكذا ظلت مسيرة عطائها متواصلة حتى بلغت من الكبر عتيا.
لقدعِشْتُ معها سنوات طويلة وأنا العارف بها، أنا الذي ترعرعت في حضنها، فتحت عيْنيَ على حبها لى، كَتبتُ الحروف الأولى لحياتي من مدادها، أنفقتْ عليَّ سنوات من عمرها، من علمها، من مالها، أتذكرها وهى تمشى يوم الأربعاء بعد أن تزيل الغزالة ظل الضحى حاملة في يدها أُجْرَةَ شيخ المحظرة الذى شرطتنى عليهعند ختمىلكل حزب، حتى حفَّظتنى ولله الحمد والمنة كتاب الله علي يديه رحمة الله عليهما جميعا، أتذكرك ياعمتى وأنا أرى ذلك الضوء الممتد في نفق الحياة يخفت رويدا رويدا ليتلاشى مؤذنا بانتقال تلك الروح الطاهرة إلى باريهانعم اليوم تتوقف الأرض عن الدوران مع توقف دقات قلبك، اليوم يعبث الحزن بقلوبنا ويرمى الأسى قاصي الورى ودانيه،واليوم تنشد انتاكات بنخليها وأشجارها مع الخنساء : "أيا شجر الكافور مالك مورقا"واليوم لاملامة إن أحْجَمَ القلمُ ونضبت عيون المعاني والأوصاف فكما تعْظُم المصائب بعَظمِ أصحابها ومكانتهم كذلك تضن المخيلة وتخجل العبارات أمام رحيل قامة مثل قامتك يا أماه، رحلتِفي صمت وسكينة كما كنت تعيشين، رحلتِ لتخلفين وراءك حزن الفقير وأنة الضعيف وصرخة اليتيم في تلك القرية الوادعة، ستفتقدك شوارع انتاكات في غياهب ليلها الدامس وأنت تحملين الطعام إلى فقرائها تَجُوبينَ أَزِقَّتَها بحثا عن محتاج هنا وهناك، توزعين البسمة فى وجوه المُحْبَطِين، ستفتقدك وأنت تَحُثِّين الخطى إلى الجيران، تسابقين الزمن في فعل المعروف، سيحن إليك محراب تَبتُّلكِ في ذلك العريش الذى كنت تتخذين منه سكنا وصرحا تُعَلِّيمِنَ فيه أبناء القرية مما علمك الله، مهْلاًعمتي!! لم تكونى عمة فقط، بل كنت لى أمًّا، نعم أمي التى ربتني وعلمتى، سامحيني ماحسبتك ترحلين وأنا خارج الوطن، لماذا تغربتُ حتى تسافرين بعدى دون وداع أونظرة ولو لآخر مرة؟إنها أقلام القدر الذي نؤمن بحلْوهِ ومُرِّهِ، برحليك أُحِسُّوكأني الوحيد المفجوع في هذا الكون تتنازعنى ذكريات الأيام الجميلة التي عشتها في حضنك ورعايتك ويحدثني كل شئ في تلك المدينة حديثا يجعلللحديث عنك بقية.....
لبيت التام:
شِفْنَ فِيهمْ ياسِرْ، وحْرارْ
انْهَراتْ الدِّنْيا فِلْفَاتْ
زَيْنِبَّاه يَالْكَومْ انْهَارْ
يَغَيـْر انهار اصَّ وفَاتْ
والدِّينْ ازْكِلْ يَاسِرْ هُوَّ
انْهَار انْتَكْصِتْ لِـِمْرُوَّ
والضَّعيفْ افْحَرْ أَزَبَّارْ
والْفقيـرْ الِّى يُرَوَّ
لْ عَنْ مُصابُ، وانْصابْ الْجَارْ
ؤُمُولْ الْحَاجَ مايُسَوَّ
هذِ الدَّارْ ابْكَاتْ أقِفَارْ
وانَ بَعدْ اسْوَ نُنَوَّ
صَدَّاكَ حَكْ ؤُصَلاَّيَ
زَيْنَبُ يَخوتِ آيَ
يَعْرَفْ زَادْ الْفَيْدُ لَخْبَارْ
وفْمَسَلَ زَيْنَ سَعَّايَ
ؤعَنْهَ ضَيَافَ للْخِطارْ
عَنْهَ رَكَّاعَ لِلْغَايَ
مَاتَكْبَظْ مِنْهَ كِدْ اغْيَارْ
ؤعَنْهَ لِلتـِّرْكَ كَرَّايَ
مَشْربْ لِلْمَعْطَحك ؤُدَارْ
وُالْمَعْطَ تَعْطِ عَطايَ
لِسْتِغْفَارْ اعْلَ لسْتِغْفَارْ
جَابِتْ مِنْ بُوهَ وَلاَيَ
ؤُقِيَامْ الَّيْلْ ؤُلَذْكَارْ
ؤُلايَ تُـــــــــــــتَـلَّبْ لاَيَ
مَاتِكْدِرْ تِحْصيهِ الشِّعارْ
اللهْالجنه وبْرُودْ الدَّارْ
ؤشِى مِنْ خصل وُرْوَايَ
بـِيــهْ اعْرفْنَاهَ ولايَ
إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم ارحمها برحمتك الواسعة
بقلم سيد عالى الطالب أحمد