فتحت الرصاصات أو النيران الصديقة، التي استهدفت رئيس الجمهورية الموريتانية، الباب نحو تحول سياسي، تجلت ملامحه في تغيير أدبيات صراع الأطراف الأساسية، من خلال تهدئة الخطابات السياسية وإعلان منسقية المعارضة عزمها فتح حوار سياسي شامل للتوافق على مرحلة انتقالية، لسد الفراغ الحاصل في السلطة وتجنيب البلاد مخاطر الانزلاق الأمني والسياسي.
وجاء اللقاء بين قيادات من المعارضة والحزب الحاكم، ليعطي انطباعا أوليا أن أركان النظام القائم يدفعون باتجاه ترتيبات جديدة للحكم في موريتانيا، ستكون سمتها البارزة هي التوافق السياسي وتجاوز مرحلة الإقصاء والحرمان السياسي، التي ولدت حالة من عدم الاستقرار ناتجة عن وجود موالاة مستأثرة بالسلطة وبخيرات البلاد ومنافعها ومعارضة مقصية، لا تملك من الأمر سوى خطاب نقدي للواقع وأملا في تطوير آليات شفافة للولوج للسلطة.
كما مثلث أاستجابة وسائل الإعلام الرسمية لمطلب المعارضة بالتوقف عن بث صور الرئيس وانجازاته، التي بثتها على أبواب الاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال الوطني، إشارة مهمة على وجود أرضية جديدة للتعاطي مع الخصوم السياسيين والبحث عن قواسم مشتركة بين أبناء الوطن الواحد. لكن تلك الآمال العريضة والواعدة بالتحول السياسي على أساس قاعدة الحوار الشامل والهادف إلى تأسيس نظم جديدة للحكم ولتعاطي السلطة مع مختلف الطيف السياسي، لم تعمر طويلا، فإما أنها كانت مجرد محاولة لتهدئة الساحة السياسية في انتظار عودة الرئيس أو أنها انجلت عن تباين كبير بين مسعى المعارضة في إيجاد أرضية مشتركة لتحديد مستقبل البلاد وبين إرادة القوى النافذة والمستفيدة في استمرار الوضع القائم.
فقد تبددت مساعي التوافق الوطني، بعد إعلان المعارضة عن تنظيم مسيرة ومهرجان الـ 21 نوفمبر وانتقال الأضواء إلى ربوع إقامة الرئيس قرب باريس والبحث في أجندات الرئيس الفرنسي عن فرصة للقاء وتبادل الحديث حول طبيعة دور موريتانيا الممكن في الحرب القادمة من أجل تحرير شمال مالي من أيدي الجماعات الإسلامية المسلحة.
وظهر الرئيس، الغائب منذ شهر ونيف، تحت الأضواء الكاشفات للإعلام الغربي المرئي، مؤكدا عودته ومذكرا بخطاب معلوم، سيعيد البلاد للمربع الأول القائم على قاعدة حديث الطرشان وسياسة تجاهل التحولات الحاصلة في المنطقة وفي العالم العربي.
فهل جاءت عودة الرئيس، قبل الانتهاء من رحلته العلاجية، لوضع حد نهائي للجدل القائم حول شغور منصب الرئاسة أم أن تلك العودة مجرد تكتيك لتفادي حلول دستورية أو توافقية يفرضها غيابه وخصوصيات المرحلة الراهنة.
فإذا استطاع الرئيس المكوث لمدة طويلة ومباشرة مهامه الدستورية والعودة لممارسة سلطاته الاعتيادية، فإن المعارضة ستعود للمربع الأول المتمثل في المطالبة برحيل النظام وفتح الباب أمام مرحلة انتقالية توافقية وإلا فإن النظام سيجد نفسه في وضعية جديدة تفرض عليه حدا أدنى من التوافق الوطني لانجاز مرحلة انتقالية واعدة وذات مصداقية داخليا وخارجيا.