حين يجثم الليل على صدورنا يتجلى رقي الامم وسموها في خوض شدة الأهوال وعبور وحلها. فلقد اظهر العسكر فينا رباطة جأش ، وشدة ساعد،وقوة زناد وطول نفس ، وسعة دهاء، وحنكة أفراد، كأنهم جبل شاهق لا حصى فيه ولا غبار، على قلب رجل واحد في إدارة أزمة الرصاصة ،وعفتهم عن الكرسي فاخرسوا دعاة الانقلاب في الصحف، وما وراء الكواليس كان أعظم، وهذه أيم الله إنها لحسنة.
إلا أنهم قبضوا شعبا وبلدا لسيد شفاه الله اتخذه كدكان يعج بأصناف البضائع وأنواع العروض ، فيه ما يشتهيه كل ناظر ، ويتمناه كل سامع ، من تنظيم الرفوف، وشق الطرق ، ووفور الأمن، لو أطلعت عليه وحماية المستهلك لأغلقتم بابه ، وسجنتم عماله ، ودققتم ناقوس الخطر لسيارات الإسعاف لعلاج زبنائه ، بسبب تلف مواد دكانه ، وانتهاء تاريخ جميع ما في أحشائه.
فنحن في بلد مصاب كله في مفاصل دولته بسبب شخصنة الأمور فيه ، فهذا برلمان وعمد تجاوزا تاريخهم بأمد ، ومجلس دستور معطل ، ومشلول ثلثه منذ زمن. فما بقي لنا إلا المفصل الوحيد الذي ما زالت له بقية أهلية مصاب في أمعائه شفاه الله مقبل يوم السبت.
فإن غاب أو غيب بحبائل السياسة تكون الطامة الكبرى بمجيء العسكر من جديد أو الفوضى العارمة بأفول الرأس ، فلا خلف غيره يكسيه لباس الشرعية إلا الإجماع الوطني ، فأين ذلك ؟ والعسكر له بالمرصاد ؟. وهذه و ايم الله إنها لمثلبة في جبين العسكر .
لذا نقف وقفة إجلال لمعارضتنا التي ذهبت بعيدا قبل الرصاصة تبارز النياشين وتنازل أغلبية جلها مرتزقة مطبلين حتى أنهكت قواها، وأرهقت شيعتها ، فآبت الآن برأي أبيض ناصع لا يحمل الدنس، يذكي حماسة الحبيب ، ويفحم حجة اللبيب ، ويحرج الخصم اللدود ، فرفعت راية الحوار رفرافة ، استشعارا بالموقف ، وجريانا مع الحدث ، واستلطافا بكيان الدولة الضعيف ، واعترافا بحساسة اللحظة ، وهوجاء الزوبعة ، وهشاشة الجبهة الداخلية ، وتكالب الأطماع الخارجية .
فانتم الآن الأعلى صوتا بوضوح المقصد ، فماعليكم إلا الاندفاع وقوة المطلب، فجنوح الأغلبية للحوار تهزه عواصف الكرسي ، وتلهبه عواطف الطمع فلا ترضوا بغير النياشين خصما كالرئيس أو قائد أركانه ، فمنهم الأمر وإليهم المربط في ما يحاك في أرضنا ، و إياكم وإياكم وانصاف الحلول فإنها تذهب ريحكم وتخطف ثمرة نضالكم وتغرس الاشواك في سبيلكم. واعلموا إن اعصار الرصاصة جرف كثيرا من خمائل الأغلبية ، وأوسع الخرق على الراقع حين يأتي .
فروضوا يا معارضتنا العسكر على العفة عن الكرسي واجذبوه بحفظ مصالحه حتى يزيح ويزيل عنه وهم العداوة بين عمامة المدني وقبعة العسكري . وجيشوا الشارع سلما فذلك يربك الأغلبية حتى تنفض من حوله فيؤوب طائعا لخدمة وطنه والذود عن حياضه .