لأن موريتانيا تعيش هذه الأيام، أوضاعا استثنائية، من الطبيعي جدا أن يتوقع الكثير من المراقبين، بأن يكون خطاب رئيس الجمهورية، بمناسبة الذكرى الثانية والخمسين لعيد الاستقلال الوطني، استثنائيا هو الآخر. قطعا ليس المقصود ب"المفاجأة"، التي قد يحملها الرئيس في حقائبه، وهو عائد من باريس، "زيادة الرواتب المتوقعة"، إذ أن هذا الأمر فقد الكثير من عناصر التشويق. بعدما باتت العديد من تفاصيله في متناول الرأي العام. بل المقصود هنا هو مفاجأة من العيار الثقيل، تعيد المشهد السياسي الوطني إلى رشده، بعدما استمر في غيه طويلا، بحيث يتضمن الخطاب الرئاسي المنتظر، دعوة واضحة ولا لبس فيها، إلى حوار جديد بين مختلف الأقطابـ،، يفضي إلى "وفاق وطني"، يضع حدا لهذه الأزمة السياسية المزمنة. وما يجعل توقع مثل هذه المفاجأة مشروعا، هو أن لدى ولد عبد العزيز، أكثر من سبب، يدفعه للسير قدما في هذا الاتجاه: فالحالة الصحية للرجل، وإن كانت قد تحسنت كثيرا، إلا أنها ما زالت تستدعي رحلات أخرى من وإلى باريس، وهو ما قد يملي على الرئيس، ضرورة إعادة ترتيب أوراق الساحة السياسية الوطنية، حتى يتفرغ لاستكمال علاجه. كما أن طبول الحرب التي بدأت تدق في شمال مالي، تدعو هي الأخرى، ولد عبد العزيز، وأكثر من أي وقت مضى، إلى لملمة الغسيل، ولم شمل الجبهة الداخلية المشتت. خاصة وأن كل المؤشرات، تؤكد على أنه سيكون لموريتانيا نصيبها من تداعيات تلك الحرب قل أو كثر، وهو ما يعني أن الأمر قد يقتضي في وقت من الأوقات، اتخاذ قرارات مصيرية، تحتاج إلى جبهة داخلية قوية ومتناغمة، لتكون حاضنة لها. وعلاوة على ما سبق، فإن تجاهل ولد عبد العزيز للأزمة السياسية القائمة، في خطاب ال28 من نوفمبر، وعدم نزوعه إلى الدعوة لحلها، من شانه أن يثير حفيظة رئيس الجمعية الوطنية، الذي شكل في الآونة الأخيرة، "صمام أمان" للنظام، خاصة خلال فترة غياب الرئيس. فولد بلخير، الذي وصل إلى مرحلة اللاعودة، في طريق تسويق مبادرته للخروج من الأزمة، لن يستسيغ أي تجاهل من قبل الرئيس لتلك المبادرة، بل قد يدفعه ذلك إلى سد باب "المعارضة الناصحة"، والعودة إلى صفوف منسقية المعارضة الديمقراطية، وهذا الأمر هو آخر ما قد يتمناه النظام، في هذه المرحلة الحساسة. تلك معطيات ضمن أخرى، تؤكد أن الأزمة السياسية الحالية، ستفرض نفسها وبقوة على خطاب الاستقلال، بل وقد تستحوذ على نصيب الأسد من ذلك الخطاب، وأن ولد عبد العزيز، سيعطي يومها دفعة قوية لحليفه في الحوار، مسعود ولد بلخير، بعدما قرر هذا الأخير، تعليق مبادرته حتى عودة الرئيس، وتحمل في سبيل ذلك الأمرين. لكن هذه الخلاصة لا تعني البتة، إسقاط الاحتمال الثاني، والذي سيظل قائما حتى اللحظة الأخيرة، إذ قد يقتصر الخطاب الرئاسي المنتظر، على شكر الموريتانيين وإعلان زيادة الرواتب والتأكيد على مواصلة النهج، دون أن يأتي على ذكر الأزمة السياسية ولو بشطر كلمة. ...وتلك ستكون مفاجأة أخرى.
آراء حرة