جاء قانون منع الترحال السياسي على المنتخبين، وإعطاء الوظيفة الانتخابية للأحزاب السياسية بدل الأفراد، لوضع حد لحالة من الاستغلال غير الأخلاقي لعناوين وشعارات الأحزاب السياسية، في الحملات انتخابية، ومغادرتها بعد التربع على كرسي الوظيفة الانتخابية باسمها ووسمها .
وقد كشفت السنوات المنصرمة من تطبيق القانون أن النخبة السياسية في البلد تعاني أزمة أخلاقية حادة تستعصي على التشخيص والتبرير، فمنذ إقرار هذا القانون توقف الرحالة المنتخبون عن الترحل ميرة وانتجاعا لمواطن الكلأ ومساقط الغيث، بعد أن كانوا كلما أومض خلب سلطة، أو جلجل هزيم نفوذ، أو هب نسيم مصلحة شخصية، يمموا شرطه نجائب مخاطمهم.
واحتفظ كثيرون منهم بانتماءات حزبية على مضض، ولم يمتلك أي منهم ـ باستثناء حالة واحدة حسب علمي ـ شجاعة التضحية بالمنصب الانتخابي ليريح نفسه ومن معه، من الدوران في أرجوحة الولاء لجهة، والانتماء لأخرى..
بيد أن هذا القانون كشف عن تفاقم هذه الأزمة الأخلاقية أكثر مما حاربها، حيث برزت في الأسابيع والأيام الماضية، مع تأكد دنو أجل الانتخابات البلدية والبرلمانية والجهوية، ظاهرة استقالات اللحظة الأخيرة، فبعد أن استنفدوا صلاحية المقعد الانتخابي وأتوا على حصائده، وقد مخرت بهم سفنه عباب لجي يغشاه موج من فوقه موج.. وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها، نكصوا على الأعقاب وتساقطوا يتلمسون مظان انتجاع جديدة أرغى وأتمر.
صحيح أن تغيير الولاء السياسي والاستقالة من الأحزاب والتجمعات السياسية حق طبيعي، ودليل على حيوية الحراك السياسي، لكن المغادرة الانتهازية تبقى ميكافيلية مقيتة، تساير ظاهر القانون ونصه المجوف، وتنسف من الجذور روح فلسفته الأخلاقية ومناط مقاصده الجوهرية.
من صفحة الكاتب محمد محمود ابو المعالي