هي أكبر القرى التابعة لمقاطعة كيفه الموجودة على طريق الأمل ؛ تمتد على طول 3 كلم ما بين أكن غربا و لخذيرات شرقا ، وتقطن قرية الشفاء أكثر من 500 أسرة وتعد نسماتها بالألاف .
نشأت قرية الشفاء - إن لم تكن مدينة الشفاء - سنة 1994 من طرف البدو الذين كانوا رحلا ونزحوا ملتمسين مواطن الاستقرار عقب تدهورما كان لديهم من مواش ، راغبين في الاستفادة من حسنات التمدن ، فيعلموا أطفالهم في المدارس ويسعوا من أجل الحصول على منشآت صحية وثقافية والتطلع إلى ما ستوفره الدولة لأبنائها في "الشفاء" من مرافق خدمية ، كما هو الحال في قرى كثيرة أقل أهمية من حيث كثافة السكان وحاجتهم .
استقر هؤلاء المواطنون منذ ذلك التاريخ وأسسوا تلك المدينة ؛ وهم في أغلبهم من الفقراء، فلم يظفروا بالحد الأدنى مما كانوا يأملون من السلطات العمومية ؛ وتلاشت أحلامهم ، وتحطمت آمالهم على صخرة التهميش والإقصاء والنسيان ،وتوالت السنوات وتعاقب ما شاء الله من حكومات،وظل حال سكان "الشفاء" يراوح مكانه متروكين على ذواتهم يقاسون المصاعب في كافة أوجه الحياة ، دون أن يجذبوا اهتمام أوتعاطف أحد.
إذ لم تقم الدولة الموريتانية بعمل أي شيء لصالح هؤلاء السكان على كثرتهم ؛ سوى بناء أربع حجرات نصف مسلحة أضحت اليوم خربة لا تصلح لغيرالحيوانات التي تأنفها هي أيضا فلا تلجأ إليها إلا عند نزول المطر.!
واظب السكان يوم استقروا هناك على مطالبة الحكومات بتوفير القليل من حاجتهم فوجهوا مئات الرسائل وأجروا عشرات اللقاءات والإتصالات مع ممثلي السلطات العمومية ومع كافة الفاعلين والمنتخبين فلم يفلحوا في الحصول على أي شيء رغم بساطة ما يطلبون ؛ إنهم يريدون فقط أبجديات الحياة العادية التي هي حق طبيعي لكل مواطن : التعليم والعلاج وشربة ماء. لقد ظل حضور الدولة الموريتانية بقرية الشفاء مقتصرا فقط على تلك المدرسة المنهارة التي يتوجه إليها مئات الأطفال كل يوم فلا يجدون في أحسن الأحوال غير معلم واحد أو اثنين أخذ منهم الإحباط والشعور بالمرارة والغبن ما يجعلهم فاقدين لأي استعداد ، الشيء الذي أدى إلى عزوف الأهالي عن إرسال أطفالهم إلى هذه المدرسة العبثية ،فعاد جزء من هؤلاء الأطفال إلى محاظر أجدادهم وغادر منهم من سمحت له السن إلى إفريقيا مطاردا لقمة العيش هناك.
يعتمد سكان قرية الشفاء في حياتهم المعيشية على ما تبقى من قطعان الماشية وعلى ما يجود به أبناؤهم المهاجرون إلى دول غرب إفريقيا، ونظرا لمحدودية مصادر العيش هذه فإن الفقر ينتشر بين السكان بشكل واسع ، يعززه غياب الدولة الموريتانية عن تقديم العون وتخليها عن هؤلاء السكان رغم تفاهة ما يطلبون، فلو توفروا على مدرسة معقولة وعلى نقطة صحية وماء صالح للشرب لشعروا بالكثير من الرفاه ولعمهم الرضاء والطمأنينة.!
إنك تشعر بالانكسار والتمزق الداخلي وأنت تشاهد العجائز والنساء الحمل وعشرات الأطفال ينتظرون على قارعة الطريق ما ينقلهم عبر عشرات الكيلومترات إلى حيث يجدون حبة "آسبرين" أو لقاحا ضد الملاريا، أما مشاهد هؤلاء عند الآبار الطويلة لإستجلاب قارورات من الماء فهي الأفظع والأشد إيلاما.
لم تشفع لهذه القرية كثافتها السكانية و لا تسديد سكانها لضرائب البلدية بسخاء ، ولا طاعتهم المطلقة لولاة الأمور ولا انتماؤهم لموريتانيا الأعماق ولا وجودهم على طريق الأمل ولم تقدر لهم حيويتهم وازدهار محاظرهم ولم يشفع لهؤلاء المواطنين المساكين أن لم يتلون صندوق تصويتهم بغير ورقة الحزب الحاكم خلال السنوات الممتدة من نشأة القرية سنة 1994 وحتى اليوم .!
لقد جذب تهميش هذه القرية الكبيرة اهتمام وكالة كيفه للآباء فنظمت زيارة لها هذا الأسبوع ورصدت الكثير من مظاهر الحرمان والبؤس بهذا التجمع السكاني الكبير واستمعت إلى آراء عدد من المواطنين الذين كانوا يشعرون بالكثير من التهميش واللامبالاة التي يلقونها في وطنهم .
كل هؤلاء السكان يتساءلون عن سبب إبقائهم متروكين على هامش الحياة رغم تواضع مطالبهم التي صمم كل واحد منهم أن لا تتجاوز (الصحة والتعليم والماء) .
فهذا المواطن محمد الطالب سيد محمد التقيناه وهو عائد من الغابة حيث كان يقطع عيدانا يصنع منها ألواحا يبيعها لطلاب المحظرة وهي رمقه ورمق أطفاله يقول: إن كل ما نطلبه من حكومتنا هو مركز صحي ومدرسة وتوفير الماء الشروب.
أم كلثوم بنت الزمال وهي ربة منزل تقول :شكرا لك وكالة كيفه للأنباء، وبعد فإنه منذ أكثر من عشرين سنة ونحن نسكن هذه القرية ، وقد تعبنا من مطالبة الدولة ببناء مدرسة مكتملة وإنشاء مركز صحي بالإضافة إلى مطلب ملح يتعلق بالمياه الصالحة للشرب ومازلنا نؤكد حاجتنا إلى هذه المسائل الثلاث.
محمدفال بن اجوه: إننا في قرية الشفاء نشعر بالضياع والتهميش ولم نتقدم إلى الحكومة أبدا بمطالب تعجزها نريد فقط أن يتعلم أطفالنا في مدرسة جادة ومحترمة وأن نجد نقطة صحية تقدم لنا إسعافات أولية، ونأمل من الحكومة أيضا حل مشكلة المياه .
محمد فال ولد محمد فاضل : نحن في قرية الشفاء منسيين من طرف الدولة رغم خفة ما نريده منها ، نأمل أن نحظى بالتدخلات والمشاريع التي تستفيد منها القرى والتجمعات المماثلة فلم يسبق أن أشركنا في توزيع مجاني ولم تدخل قريتنا أي مساعدة أو دعم أو أي فائدة واليوم كما هو في الأمس لا نريد أكثر من ماء صالح للشرب وبطب ومدرسة. صحيح أن أحد أبناء القرية الخيرين قام على حسابه الخاص بمساعدتنا على حل جزء من مشكلة الشراب بشكل مؤقت فقط ريثما تتذكرنا دولتنا.
فاله بنت الداه : نحن قرية تعيش بها أغلبية من الفقراء ونكبر بكثير كافة القرى بالمنطقة ومع ذلك لا نتوفر على مدرسة ذات مصداقية ولا على نقطة صحية فضلا عن انعدام الماء الذي نحصل عليه بشق الأنفس من آبارعميقة جدا.
خدجة بنت الشيخ : إننا نطلب من الوكالة أن تتجول في القرية وستكون عندئذ غنية عن مساءلتنا فمظاهر التهميش وغياب الدولة حاضرة ، إننا نفتقر إلى كل شيء وعند حصولنا فقط على الماء والدواء والتعليم سنشعر بأننا حصلنا على كل شيء.
فاطمة بنت خ : نحن بحاجة ماسة إلى مدرسة مكتملة الطاقم ومجهزة بكل ما هو ضروري وإلى مركز صحي وفوق ذلك نحتاج إلى الماء.
موسى باري : أنظروا إلى حالنا أيها الإخوة وسوف تكتشفون ما نتعرض له من ظلم وإهمال ؛ إننا نعيش في العراء تقريبا ، لا نجد ما نأكله و نعاني من العطش الشديد ولا يوجد لدينا مرفق صحي نعالج فيه أطفالنا ، إننا غرباء في هذا الوطن ولولا كرم الجيران لكنا تحت التراب!
بهذه العبارات المؤثرة ختمنا جولتنا داخل ساكنة قرية الشفاء عند أخبية تسكنها أسر موسى باري ، وإن المعاناة لدى الكثير من الأسر بهذه القرية لهي أعمق من توصيف باري .
طبعا ينتمي المواطنون بهذه القرية إلى الجمهورية الموريتانية؛ درجوا على أرضها وعاشوا تحت سمائها واستماتوا في الدفاع عنها وأحبوها وبذلت سواعدهم في خدمتها الكثير ، صابرين على تخلى هذا الوطن عنهم وإقفال تطلعاتهم واهتماماتهم ومستعدين للاستمرار في ذلك مهما كلفهم من أثمان ، وهم عندما أدوا جميع واجباتهم اتجاه هذا الوطن ، فإنهم لا يكونون مدللين ، إذا طالبوا فقط بالماء والدواء والتعليم من ثروات بلادهم الطائلة !