ليس جديدا إذا قلنا أن فرنسا هي المستعمر التاريخي لموريتانيا منذ محاولتها ربط مستعمراتها في الشمال الإفريقي ومستعمراتها في جنوبه مما أضطرهم إلى إيجاد صلة وصل آمنة تمكنهم من العبور إلى الجانبين ومنذ تلك اللحظة كان لا بد من احتلال الربوع الموريتانية ليتحقق لها ذلك، لكن الغريب في الأمر أنه بعد مرور اثنتين وخمسين سنة لا يزال ذلك الاستعمار متواجدا في موريتانيا وان بصفة اقل ، فلقد تحول من احتلال عسكري لآخر ثقافي حمل الأنظمة العسكرية الانقلابية المتعاقبة على التبعية العمياء لفرنسا، فبعد الجهد الثقافي الكبير الذي قام به الموريتانيون لمكافحة الغزو الثقافي الفرنسي لموريتانيا دانت الساحة الموريتانية بعد ذلك للمستعمر الأزلي الذي بدأ تحريك الأنظمة المتعاقبة كما يحرك الشخص أصابع يديه، يدعم ذلك الدور الفرنسي المعروف في الانقلابات المتعاقبة ففي سنة 1984 أقنع الرئيس الفرنسي آنئذ فرانسوا ميتران الرئيس الانقلابي ولد هيداله على المشاركة في قمة بوجنبورا عاصمة بوروندي لأنها كانت تخطط لتنفيذ انقلاب ضده وهو ما تم بالفعل حيث انقلب ولد الطابع عليه ونحاه عن الحكم لان فرنسا لم تعد تثق في تصرفاته ونفس الشيء فعلته مع ولد الطابع وان بطريقة مختلفة هذه المرة إذ لم تعد ترى فيه الراعي الرسمي لمصالحها المختلفة ، وهذا الشيء تكرر مع الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي اتفق كل المحللين على أن فرنسا كانت على علم بما يحاك له والدليل على ذلك أن وسائل إعلامها كانت هي أول من أذاع الخبر الا أنها فضلت الصمت، فكل المعلومات التي تتسرب عقب كل انقلاب تبين لنا أن الانقلابيين كانوا على اتصال دائم بالسفارة الفرنسية وهو ما يعني التنسيق التام في هذا الشأن، بعد كل تلك الإشارات يتبين الدور الكبير الذي تقوم به فرنسا في سبيل الاستمرار في وضع موريتانيا داخل دائرة نفوذها وهو الشيء الذي يبدو ان السياسيين الموريتانيين الذين يتقاطرون على السفارة الفرنسية معظم الأوقات لا يلقون له بالا بل ويفضلون عليه الاستمرار في حضن الحامي الفرنسي لعله يحن على بعضهم يوما ويمنحه المنصب الرئاسي الذي يبدو ألا طريقة له الا عبر الرضا الفرنسي.
العالم اليوم أصبح قرية واحدة ومن غير الممكن الاعتراض على ان تكون لموريتانيا علاقة بأي بلد كان ولكن يجب أن يكون ذلك فقط على أساس الاحترام المتبادل والمعاملة بندية تامة واحترام مصالح الآخر ،هكذا تكون العلاقات الاقتصادية السياسية والثقافية بين الدول، وبما أننا وبناء على كل ما سبق اتضح لنا أن الدولة الاستعمارية السابقة تسعى الى ما هو أكثر من ذلك صار من الواجب علينا أن نقف في وجه ذلك المسعى غير الشريف بكل ما أوتينا من قوة الكلمة ، ليس اعتراضا على تبادل المصالح المشتركة بين البلدين، بل رفضا للوصاية التي تفرضها علينا فرنسا منذ الاستقلال الى اليوم ، ويجب أن ننبه أن وضع التبعية هذا الذي نرزح تحته ارتضاه الكثير من سياسيينا "العسكريين" لبلدهم فنتيجة للاشرعية حكمهم أصبح من اللازم عليهم إيجاد من يحميهم وهم مستعدون لرهن مصالح أوطانهم سبيلا لإستمراريتهم.
ختاما ننبه فرنسا أن جيلا جديدا إيمانه الوحيد بدولته المسلوبة منذ 1978 لن يقبل أن تظل دولته مسلوبة منه تتلاعب بها قوى أجنبية عبر عسكريين جاهلين، وعليه إذا كانت فرنسا تبحث عن علاقات متكافئة بينها وموريتانيا فيستحسن لها البحث - ومن الآن - عن نقاط التلاقي بين مصالحها المشروعة في موريتانيا ومصالح الشعب الموريتاني الذي بدأ يرك خيوط اللعبة المتشابكة التي تنسجها المستعمرة السابقة لإبقاء موريتانيا رهينة لديها ونقول لها أخيرا لا للوصاية ........نعم للشراكة.