إن كانت حالة عزيز استقرت وخرجت من مرحلة الخطر فإن موريتانيا ما زالت حالتها مضطربة وغير مستقرة والتجاذبات السياسية تؤرجح البلد ولا يُعرف على ماذا سيستقر الوضع، مادام منصب الرئيس شاغرا والأخبار عن صحته شحيحة ومكتم عليها مع محاولة البعض طمأنة الشارع بأخبار عن الرئيس جاءت بإخراج سيء ومشوش تشويش المكالمة التي قال رئيس البرلمان إنه أجراها مع الرئيس.
عودة عزيز مع أنه ليس هناك إجماع عليه في هذه الأيام قد تهدّئ من احتقان الشارع بعد تصديقه للشائعات التي تقول إن الرجل مريض ولن يعود لممارسة عمله وإن المؤسسة العسكرية في خلاف مع الحزب الحاكم حول من سيخلف عزيز ما وصفه ولد حننا بأنه (الصراع على تركة الرجل المريض). لكن تبقى السيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات فقد يقطع الجيش الطريق أمام المعارضة وأمام أنصار عزيز من (قبليين وجهويين) ويستأثر بالحكم لنفسه، وقد تصعد المعارضة بتحريكها للشارع حتى إجراء انتخابات يكون الجيش ليس طرفا فيها، وقد تكون هناك كلمة أخرى لفرنسا، لكن الأفضل في هذه المرحلة هو مراعاة مصلحة موريتانيا العليا من خطرين كبيرين يخيمان على السماء الوطنية.
الأول: وهو الأخطر، الحرب التي بدأت فرنسا توقد نارها لاجتياح الشمال المالي باستخدام القوة الإفريقية، والتي ستكون لها انعكاسات كبيرة على المشهد السياسي والعسكري والاجتماعي في موريتانيا.
فموريتانيا ليست تلك الدولة القوية عسكريا واقتصاديا، بل الجيش منهك ومهتز، والحالة الاقتصادية سيئة للغاية وبالتالي فإن أي حرب في أي دولة من دول الجوار ستكون لها تداعيات خطيرة على البلد، ومع إعطاء الجزائر أوامر لجيشها بغلق الحدود مع مالي، ستكون موريتانيا هي البوابة الوحيدة التي يدخل منها النازحون الفارين من جحيم حرب لا يدري أحد كم تدوم، وستتحول موريتانيا إلى الحاضن الأول لللاجئين الماليين ما سيزيد من معناة المواطن الموريتاني اقتصاديا وقد يؤدي إلى قلاقل أمنية داخلية ضحيتها الأول والأخير هو الفرد الموريتاني والأسرة الموريتانية، أعتقد أنه على المعارضة الموريتانية وعلى الغيورين على هذا البلد أن يرتبوا أولوياتهم فالفراغ الدستوري ليس هو الأولوية في هذه المرحلة بل الأولوية هو محاولة منع التدخل العسكري في الشمال المالي ويجب تنظيم مظاهرات شعبية تندد بقرار التدخل الجائر والذي سيكون وبالا علينا.
الثاني أقل خطورة من الأول وهو غياب الرئيس والشلل التام لكل مؤسسات البلد والذي يضع البلد في حالة من الترقب وعدم اليقين جعلت المواطن في حيرة من أمره هل خوفا من محاولة لأصحاب نوايا سيئة استغلال الوضع والدفع بموريتانيا إلى صراعات سياسية قد تفضي إلى ما لا تحمد عقباه في ظل جو مشحون من أحزاب وحركات حقوقية تتنافس لتجد موطئ قدم في موريتانيا ما بعد عزيز، أو خشية من انقلاب عسكري جديد يعيد موريتانيا إلى المربع الأول، بعد أن ظننا أن شهية الجيش للانقلابات العسكرية قد سدت، وتبقى موريتانيا بين مطرقة غياب الرئيس وسندان حرب الشمال المالي.