كان أهل التعليم عندنا يحظون بمكانة مرموقة وتقدير سام سواء في ذالك المتعلم والمعلم وسواء كان تعليما محظريا تقليديا أو تعليما مدرسيا حديثا.
وكان اهله على مستوى عال من المعرفة والأخلاق والزهد في الماديات والعفة... وكان ينقسم الى تعليم محظري ديني إسلامي تقليدي وتعليم مدرسي حديث قسم منه عربي صرفا والآخر فرنسي صرفا.
والآن اختلط الحابل بالنابل ولم يعد لدينا تعليما عربيا ولا فرنسيا وحتى أننا يمكننا القول بأننا لم يعد لدينا تعليما بالمعنى الكامل للكلمة.
بل إن التعليم عندنا الآن في تخبط وتيه وضياع على الرغم مما هو مبذول فيه من أموال. فمن وجهة نظري أنها أموال ضائعة لا طائل من ورائها و نحن الآن نتهافت على التعليم (الحر)! وما أدريك ما هو؟
وكان الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله يرفض السماح لهذا النوع من التعليم خوفا من اختلال توازن الفرص بين أطفال هذا البلد.
فهو يقول في مذكراته : إن ممارسة التعليم الحر إلى جانب التعليم النظامي في بلد فقير ستعمق اختلال توازن الفرص بين أطفال هذا البلد... وإن هذا النظام لا يمكن أن يستفيد منه إلا الأطفال المنحدرين من الأسر الميسورة التي بوسعها تسديد تكاليف دراسة أبنائها ، وسيحصل هؤلاء على تعليم أفضل نوعيا من التعليم العمومي لأنه مقدم في ظروف أفضل أما الأطفال الفقراء الذين يشكلون الأغلبية الساحقة فلا يمكنهم الانتساب إلا إلى التعليم العمومي.
إن التعليم العمومي في زمن المر حوم كان جيدا ومع ذالك كان ذلك الرجل العظيم رحمه الله يرى فيه ضعفا أمام التعليم الخاص .فما بالك بما عليه التعليم عندنا اليوم من انحطاط على كافة المستويات: (على مستوى المعلم والمنهاج والكتاب والتلميذ والمعنويات) وحتى اهتمام الأهالي به فقد عزف عنه الآن كل من يمتلك قوت يومه.فأصبح عندنا تعليم خاص بالأغنياء وآخر خاص بالفقراء وأصبح التمايز واضحا في هذا البلد وهذا ما كان يخافه المرحوم المختار ولد داداه إذن تخوف ذلك الرجل العظيم حصل الآن واتسعت الهوة بين أبناء هذا البلد. ولم نرى حتى الآن أحدا يقلقه هذا المصير ... وعدم تكافؤ الفرص بين ابنائه إذن تفاوت الفرص وسوء المصير أصبحا واضحين فمن ناحية هناك أطفال يمكن أن يتكونوا ويصبحون عناصر منتجة ويستحوذون على الوظائف المتوفرة في القطاعين العام والخاص ومن ناحية ثانية هناك أطفال الأغلبية العظمى تتخبط في ظلمات الجهل وما ينتج عنه من التخلف الذهني والمادي. وبكلمة واحدة فإن أطفال الاغلبية تتخبط في البؤس الشديد وفي رأي الرئيس المرحوم المختار ولد داداه انه اذا ما ذهب جميع الاطفال في البلد الى المدرسة العمومية فان ذالك سيعطي تكافئا في الفرص.
من الناحية النظرية على الأقل، فالأطفال الموهوبون يوجدون دائما في الفئتين الفقيرة والغنية ويوجد هناك تفاوت أصلي في الفرص وبالفعل فإن طفلين يتمتعان بنفس الذكاء نفسه ستختلف كثيرا الظروف المادية والنفسية المحيطة يهما بالنسبة لابن محام أو ابن عامل بسيط مثلا إلا أن هناك قطاعات أساسية في الحياة الوطنية، ثقافية، اجتماعية، اقتصادية يجب ألا تخوصص في بلد متخلف مثل بلدنا، فيجب ألا يكون هناك أناس لديهم كل شيء من علم وسلطة ومال وآخرون لا يملكون إلا الفتات..
ومع ذلك لا يمكن أن نساوي بين البشر مع كامل الأسف في كل شيء ومع ذللك ينبغي ان ينال كل مواطن قسطا من خيرات هذا الوطن لذا ينبغي أن نناضل ضد تفشي ألا مساواة الكبيرة بين صفوف مواطنينا لذالك نحن بحاجة إلى رجال مقتنعين بالمصلحة العامة والعدالة ولسنا بحاجة إلى وجهاء يحرصون على حفظ مصالحهم الشخصية نحن بحاجة إلى رجال مستعدين كل الاستعداد لخدمة الجماهير الفقيرة التي مازالت تعاني الجهل وتتعرض لأنواع الإذلال ولابد لمسئولينا أن يعرفوا أيا كان مركزهم أن لا قيمة لهم بدون الشعب وان الحكم عليهم سوف يكون بحسب إخلاصهم له وتفانيهم في خدمته أما في ما يخص المعلمين فلابد أن نعرف أن المعلم السيئ سيجعل المنهج سيئا والتلميذ أسوأ إن المعلم يستحق أعلى الرواتب إذا وهب نفسه للمعرفة وتبتل في تحصيلها وجعل الثقافة والتعلم هما شغله الشاغل .إن المعلم اليوم لم يعد مربيا ولم يعد مثالا صالحا ولم يعد بعد أمثولة جيدة...إن غياب الأمثولة لدى المعلم يجعل مهمته التربوية شاغرة وذالك مخيف وسيئ، لذلك لابد من إعادة المعلم الأمثولة إعادة التفكير في خوصصة التعليم وإعادة التفكير في فرنسته وتركه يتخبط وترك الحبل على الغارب للتعليم الحر خاصة في وجه غول العولمة الذي يحاول التهام قيمنا ومقدساتنا التي هي سر وجود شخصيتنا إن العولمة تناضل جاهدة ضد دور الأم والأسرة في التربية والتعليم وتركز على دور الفضائيات كمصدر هام من مصادر التربية والتعليم.
علينا أن نحارب العولمة وأن نعتبر أن دور الأم والأسرة أساسيين كمدخل رئيسي للتربية والتعليم بالنسبة للطفل وينبغي أن يرافق التعليم المتخصص والتعليم الحر إذا كانا ضررا لابد منه تثقيف متخصص كما ينبغي إيجاد جو مدرسي علمي أخلاقي ثقافي يمكن أن يرد التعليم العمومي إلى ما كان عليه من جودة تهيؤ التلميذ وتدفعه إلى المستوى المطلوب.