لم يعد خافيا على من يتتبع أوضاع المواشي المنتجعة في جنوب ولاية لعصابه أن العد التنازلي قد بدأ فعلا باتجاه الكارثة ؛حيث تجمعت آلاف الرؤوس القادمة من ثلاث ولايات في جيب ضيق يقع في مقاطعة كنكوصه على الحدود المالية بالإضافة إلى تواجد مكثف آخر للمنمين الصابرين أو الحائرين في أمرهم في الناحية الشرقية والجنوبية الشرقية لهذه المقاطعة حيث لا ماء ولاعشب.
وهي المنطقة التي تجول فيها فريق وكالة كيفه للأنباء حيث شحت المراعي ولم يعد للمواشي غير عويدات أعشاب تلتقطها من هنا وهناك وفيما بقي مستترا في جذوع الأشجار أو ما تطاير من أوراق "تيكفيت". ولن تغادر بصرك وأن تتجول في هذه الأماكن وجود جثث هنا وهناك خاصة من البقر والضأن إذ تبقى الإبل والماعز أكثر مقاومة للجفاف وذلك بسب رعيها للأشجار.
وتطرح مشكلة التهام التراب معضلة حقيقية فأثناء بحث البقر عما يأكله فإنه يبتلع الكثير من التراب وهو ما يؤدي في النهاية إلى هلاك الدابة.
المنمون يبكرون بمواشيهم بعد شرابها لسوقها نحو هذه الأشياء وفي الرواح فإن هذه المواشي تتجمع على المائدة كما يحدث لكل أسرة.
يقوم المنمي بتهيئة عشرات الصحون فيضع في كل واحد نصيبا بل يقوم في بعض الأحيان بتجهيز لقم من الدقيق ويدفعها بين فكي البقرة كما يحدث مع الطفل أو المريض ،وهناك تبدأ معركة فصل العجاف التي أصبحت تشكل أكثر من نصف القطيع عن غيرها وتستمر تلك العملية ساعات من الليل قبل أن يخلد الراعي لنوم ملؤه الكوابيس والأشباح وعند ساعات الفجر تبدأ الرحلة مجددا وهكذا.
هؤلاء يعيشون قلقا مطبقا بسبب شح الأعشاب وبطول الفاصل الزمني المتبقي قبل حلول موسم نزول الأمطار وغياب أي دعم أو مؤازرة.
على جلسات الشاي و عشاء "الكسرة" لا حديث غير السؤال عن موقع أحسن للكلإ أو الماء وعن أخبار الدولة مع العلف.هم جميعا باتوا متأكدين من هلاك مواشيهم، ومستسلمين لقدرهم ويعملون فقط على إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
غاضبون إلى حد التفجر على حكومة بلادهم التي يرون أنها لم تكذب عليهم في شأن العلف فقط وإنما خدعتهم حتى تراخوا في أخذ الحيطة ووضع التدابير والرحيل مبكرا إلى دول الجوار.
فهذا المنمي محمد ولد يي يقول:
لم نجد مثقال ذرة من علف وكل أسبوع نشتريه بأسعار خيالية من سوق كيفه أو كنكوصه وفي نهاية المطاف لن نستطيع المواصلة حسبنا الله ونعم الوكيل.
أما لبات ولد أمبارك فيذهب أبعد من ذلك ويؤكد أن الثروة الحيوانية ستفقد الثلثين إذا لم تبادر الحكومة بضخ الأعلاف في أماكن تواجدها.
ويذهب إشيبو ولد سيدي إلى أبعد من ذلك ويرفض التصريح لمندوب الوكالة معتقدا أنه جهة حكومية فقد مل الكذب ولم يعد يثق في أي شيئ يصدر عن هذه الحكومة.
يفاقم مشكل المنمين بهذه المناطق ثقل الحمولة فهم لا يستطيعون البقاء في مكان أكثر من أسبوع إلى أسبوعين وهم يحملون نفقة مئات أو عشرات الرؤوس من الماشية مع تواضع وسائل النقل التي لا تتجاوز عربات أو حمير.
يعيش هؤلاء المنمين على أعصابهم في ذرة صيف قاس وجاف .مصدر رزقهم ونفقة عيالهم هي هذه القطعان التي دب فيها العجف بشكل مخيف وباتت تموت تباعا.
يحز في نفوسهم تخلي حكومة بلادهم عنهم في هذه الظروف الاستثنائية حقا ومع ذلك لا يعولون على غير خالقهم وخالق أنعامهم في زوال نقمتهم . تشخص عيونهم إلى السماء .
إن فرج الله قريب.