تكلم مسعود فى وقت كنا ننتظر منه أن يقدم مقترحاته بشأن الخروج من الأزمة التى استفحلت أكثر عما كانت عليه منذ الــ13 من الشهر الماضي، كلما فى الأمر أن الرجل استدعى الصحافة ليقول لهم ولد عبد العزيز اتصل بي، وهو ما يؤكد حسب مسعود أن الرجل تعافى وفى طريقه ليشفى تماما.
قبل أربع وعشرين ساعة من موعد مهرجان المعارضة الذي كان من المتوقع أن تقدم مطالبها بتحقيق شفاف فى ملابسات ما جرى للرئيس ومدة إقامته فى المستشفى، وهو ما يجعلنا نتساءل عن سبب اختيار هذا التوقيت بالذات لعقد هذا المؤتمر الصحفي؟ ولما يتم اختيار مسعود لإجراء هذا الاتصال الهاتفي معه دون غيره وهو رئيس السلطة التشريعية المفترض أنه مستقل عن السلطة التنفيذية. ألم يجد ولد عبد العزيز فى أغلبيته ومعاونيه من يكل هذا الأمر؟ أليست هناك قنوات أخرى لدى الرئيس ليطمئن من خلالها الموريتانيين على وضعه الصحي الذى أصبح مقلقا أكثر فأكثر؟ صحيح أن المناضل العجوز هو شخص يحظى بالاحترام ولا زال كلامه مسموعا فى المجتمع، لكنه أصبح مخترقا بشكل كبير من السلطة الحالية، وهو ما يهدد مصداقيته. وهذا ما أوجد بعض التردد لدى الصحافة ومن وراءها الرأي العام الوطني فى أن يكون مسعود قد دفع دفعا إلى التصريح بما صرح به. ولهذا فإن مسعود خاطب زميلنا الذى استشكل التوقيت الذى اختاره مسعود بطريقة غير لائقة. بل إن ثورة مسعود من سؤال الزميل طالت الصحافة كلها. وحتى ولو كان قد اعتذر بعد أيام عما جرى فإن الأسوأ قد وقع. فعندما يغلب منطق القوة قوة المنطق فلا يمكن بالضرورة أن تكون النتائج كما نرجو.
وبشكل محدد فإن مداخلة مسعود لم تضف أكثر من أنها زادت الوضع المضطرب اضطرابا. فنحن لا نعرف شيئا ذا قيمة عن الظروف التى أحاطت بإصابة الرئيس ولا نعرف كذلك شيئا عن المدة التى سيقضيها فى سريره بالمستشفى، ولا ندرى من الذي يقود البلاد فى الظرف الحالى ولا إلى أين يمكن أن تسير البلاد فى غياب رئيس كان يظن أنه قادر على كل شيء ومحيط بكل شيء. وهل يمكن أن يفكر الجنرالات الذين صنعوا الرجل فى الانقلاب عليه؟ أو أنهم سيجبنون عن مثل هذا التصرف؟ سواء حدث هذا أو ذاك فإن الأمر يعد كارثة وعودة مؤكدة إلى الوراء. لكننا على كل حال نعيش وضعا شاذا لا يمكن أن نستبعد فيه حدوث أي شيء. فلو كان دستورنا قد نظر لمثل هذه الحالة، وكان رئيسنا غير انقلابي تحول إلى ديمقراطي وكانت مؤسساتنا غير منتهية الصلاحية وكان هناك فصل حقيقي للسلطات، باختصار لو كنا نعيش ديمقراطية طبيعية لما تحدث مسعود مطمئنا الشعب، ولما كنا بمثل هذا القلق على مستقبلنا.
ولا شك أن حاضرنا السيئ بفعل تدخل بعض العسكر فى اللعبة السياسية قد يتحول إلى شكل أسوأ كثيرا عندما يثير هؤلاء شهية غيرهم ويطالبوا بنصيبهم من الكعكة. وتلك دوامة جهنمية لن نتمكن من الخروج منها بسهولة، إذ نعيش فيها منذ العام 1978. فكم سنستمر فيها؟ وعلى الرغم مما حدث سيئا أو حسنا، فإن جرح ولد عبد العزيز سيسمح لنا بأن نرى بشكل واضح عبثية الوضع الذى نعيشه. وهو ما نرجو أن نخرج منه عاجلا.
ترجمة: الصحراء