يبدو أن فرنسا تكثف هذه الأيام من تحركاتها من وراء كواليس، وخلف أبواب مغلقة لترتيب بيت الحكم في موريتانيا وفق ما تميله عليها مصالحها في المنطقة، مستغلة في ذلك الظروف الاستثنائية التي تمر بها موريتانيا بسبب إصابة الرئيس وخضوع للعلاج في باريس.
باريس أضحت هذه الأيام قبلة مفضلة للسياسيين الموريتانيين، الذين توافدوا إليها بدعوة من سلطات الإليزيه تارة، وفق بعض التسريبات، وطورا بمبادرات فردية من هؤلاء كي يعرضوا ما لديهم من "خدمات"، و"نصائح" علها تتقاطع مع رغبة فرنسية في ضبط الشأن السياسي الموريتاني على إيقاع ونغمات خطتها للتدخل في المنطقة.
طبيعي جدا أن تستغل فرنسا هذه الفرصة – ما استطاعت إلى ذلك سبيلا – لتحييد كل العراقيل التي كانت تعترض خطتها للتدخل العسكري في المنطقة، خاصة وأنها تمكنت بقدرة قادر أن تضع يدها على مكانيزمية توجيه القرار السيادي الموريتاني، حينما تم اختيارها من طرف سلطات نواكشوط، كمكان لعلاج الرئيس ولد عبد العزيز، وهو ما مكنها من فرصة ذهبية لتمرير أجندتها، وليس مستبعدا في هذا الإطار أن يبلغ بها هوس الرغبة في التدخل في مالي حد مساومة ولد عبد العزيز في الحكم ووضعه أمام الاختيار ما بين الاستمرار في "الاستشفاء" إلى أجل غير مسمى أو القبول مكرها بتمرير أجندتها في المنطقة.
تراهن فرنسا كذلك على تغلغلها في الشأن السياسي والعسكري في موريتانيا وعلاقاتها القوية مع بعض خلصائها وأصدقائها التي تعول عليهم ليكونوا رهن إشارتها عند ساعة الصقر كما عودتها خبرة ستين سنة من التعاطي مع الشأن الموريتاني والإفريقي عموما.
لكن فرس رهان الوطنيين الموريتانيين هو الآخر معقود على نخب الموريتانية المدنية والعسكرية آملا أن يكون في مستوى الحدث والبقظة دائما للكشف المبكر عن خيوط المآمرة الفرنسية ضد البلد، الذي لا تريد له باريس الاستقرار والديمقراطية كما تتشدق أكثر من رغبتها في أن يكون ساحة خلفية لمآمراتها ودسائسها ضد شعوب المنطقة واستقرار قرارها السيادي.
فرنسا هولاند لم تغفر للرئيس عزيز- على ما يبدو- رفضه القاطع طلب حاكم الإليزيه أثناء قمة "مالطا" خطة التدخل العسكري الأفريقي في شمال مالي المدعوم فرنسا، ولا يبدو أن باريس تقيم وزنا لمخاوف موريتانيا ودول المنطقة من انعكاسات هذا التدخل على المنطقة بقدر ما تريد فقط شرعنة احتلال المنطقة وفتحها على مصراعيها أمام الفوضى والويلات، وهو ما يبدو أن ثمنه سيكون أيضا استغلال فرصة الحالة الاستثانية التي توجد فيها موريتانيا هذه الأيام لتمرير المخططات التي من شأنها أن تضمن تركيعا لنظام الحكم الموريتاني، وجره إلى المعادلة الفرنسية مهما كانت نتائجها السلبية على المنقطة.
لن تتوانى فرنسا عن تنفيذ خطة التدخل في موريتانيا قبل أي خطة أخرى للتدخل في شمال مالي، و ستجد حتما من بعض السياسيين وأصحاب المصالح الضيقة من يسندها في هذا المسعى، رغم أن بعض هؤلاء ما فتئ يصم أذاننا بانتقاد التدخل الفرنسي في المنطقة والتحذير من سلبيات الحرب بالوكالة. فالطريق إلى شمال مالي يواجه يمر من "القصر الرمادي" في نواكشوط، وما لم تضمن باريس أن تحل هذه العقدة فإن موريتانيا ستبقى – لا سمح الله – عرضة للمخاطر ما لم يغلب سياسييه وقادة مصلحة الوطن على المصالح الضيقة.