موريتانيا هذا البلد العربى الإسلامى الشقيق، الذى كان مقرًا لدولة المرابطين التى امتدت رقعتها للأندلس شمالاً، وكان منطلقًا لإمبراطوريات غانا ومالى الإسلاميتين جنوبًا، وجزءًا لا يتجزأ من المغرب العربى الكبير لفترة طويلة من تاريخه قبل احتلال الفرنسيين له سنة 1899، إنما هو ثغر من ثغور الإسلام على المحيط الأطلنطى، وجسر من جسور العرب نحو غرب إفريقيا الإسلامية وغير الإسلامية.. فـ 90% من سكانه عرب، ينتمون للحسانية والزوايا وغيرهم، و10% إفريقيون ينتمون للسوننك والولوف والبولار.. هذا البلد العربى الإسلامى الشقيق مر عبر تاريخه المعاصر بمشاكل لا حصر لها، سياسية واقتصادية وثقافية وغيرها، وكان حاضرًا فى عديد من المشاهد العربية، وغائبًا فى الكثير منها أيضًا. ما يهمنا من هذه المقدمة أن الأحداث التى تجرى الآن فى موريتانيا يجب ألا نتغافل عنها كعرب ومسلمين، ونتركها لحالها وكأن الأمر لا يعنينا فى شىء. موريتانيا الشقيقة جرت فيها محاولة اغتيال لرئيسها، محمد ولد عبد العزيز، يوم السبت الموافق 13 أكتوبر 2012، حينما أصيب بطلق نارى فى منطقة الطويلة التى تبعد عن نواكشوط العاصمة 40 كيلومترًا.. وعلى إثر هذه المحاولة نقل لباريس للعلاج الذى قيل إنه يتطلب فترة خمسة أشهر على الأقل، وهذا ما يشكل مأزقًا كبيرًا لشقيقتنا الغالية.. فالمنصب الرئاسى فى أى دولة يجب ألا يخلو ولو لحظة واحدة، لما يمكن أن يؤديه هذا الخلو من مفاسد وأضرار فى الداخل والخارج الموريتانى لا حصر لها.. بل إن الحادث وتداعياته شكلا مأزقًا حقيقيًا للوضع الموريتانى الصعب. فلا يوجد نائب للرئيس، ولا توجد نخبة تستطيع أن تتولى الأمور فى ساعة العسرة، وترتب أمورها دون تدخل من الجيش، وضمانة حقيقية لولائه.. ومن ثم فإن غياب الرئيس عن المشهد الموريتانى كشف العوار الذى تعيشه بطلتنا على مدار تاريخها بعد الاستقلال. ورغم وجود روايات متعددة حول عملية الاغتيال نفسها، وما إذا كانت نيران صديقه أخطأتها وحدة عسكرية لعدم معرفتها بوجود الرئيس حول منطقتها؟، أم ضلوع للقاعدة؟، أم انقلاب عسكرى محدود؟، أم دورية عسكرية متنقلة؟، أم سيارة مجهولة؟، إلى غير ذلك من روايات رسمية وشعبية وحزبية، فإن النتيجة التى انتهينا إليها هو انقسام حول الحدث والحلول.. فالموالين للرئيس تأخروا فى إدانتهم للحادث، فى حين أدانته المعارضة فى التو واللحظة, وهذا هو الخطر القادم.. فهل إذا ما عاد الرئيس إلى منصبه سيأمن جانب المحيطين به؟، أم سيقوم ببعض التصفيات الجسدية لبعض الأشخاص؟، ويقيل بعض القيادات المهمة فى الجيش والدولة؟، وهل المعارضة التى أدانت الحادث، والحاصلة على 60% من عضوية الانتخابات التشريعية والبلديات، داخلة فى صفقة مع العسكر؟، أم أن التعاطف مع الرجل قد جاء لظرف إنسانى بحت؟، وهل صفقة ولد عبد العزيز وقطاع من العسكر مع المعارضة، إذا ثبتت صحتها، هى التى أدت لمحاولة الاغتيال من قبل العسكريين الرافضين لتك الصفقة؟، على العموم كل الإجابات على تلك الأسئلة المطروحة تحمل مزيدًا من الاحتقان والانقسامات فى الفترة المقبلة.. وأعتقد أنه إذا ما حللنا محاولة اغتيال الرئيس تحليلاً دقيقًا، فإننا لا نستطيع قراءته إلا بتحليل البعد الخارجى والداخلى فى المسألة.. وفى هذا المقال سنركز على البعد الخارجى، ونترك قراءة البعد الآخر للمقال المقبل بمشيئة الله، لأن الأمر سيحتاج لمساحة وتوضيح أكثر. فالبعد الخارجى فى موضوع الحادثة، يتعلق باتهام القاعدة وبعض التيارات الإسلامية الإقليمية المجاورة بالضلوع فى محاولة الاغتيال.. فزج الرئيس ولد عبد العزيز بموريتانيا فى حرب خاسرة فى منطقة أزواد فى شمال مالى، والتى يعتبرها بعض الإسلاميين المنتمين لقاعدة المغرب الإسلامى، وحركة أنصار الدين الأزوادية، وقاعدة التوحيد والجهاد فى غرب إفريقيا، أنها حرب بالوكالة عن فرنسا والغرب ضدهم.. وهو الأمر الذى جعلهم يضعون الرئيس الموريتانى على رأس قائمة أعدائهم. ولعل مشاهدتهم للتنسيق بين الرئيس الموريتانى وبين الاتحاد الإفريقى والجماعة الاقتصادية لغرب إفريقيا والأمم المتحدة وفرنسا هو الذى جعلهم يتأكدون أن الرجل قد بات يمثل خطرًا عليهم وعلى إنجازاتهم وسيطرتهم على منطقة شمال مالى وتطبيقهم للشريعة فيها.. وربما كانت خشية ولد عبد العزيز من امتداد القاعدة إلى الداخل الموريتانى، واتهامه صراحة بوجود تنسيق بينه وبين بعض التيارات الإسلامية الدخلية فى أحداث أزواد واتهامهم إياه بأنه تسبب فى غياب الأمن على الحدود الموريتانية، وأنه جاء بالوجود الأجنبى للبلاد، قد جعل الطرفين فى مواجهة مؤكدة.. وربما كان توظيفه من قبل الجهات الغربية الداعمة له هو السبب الرئيسى فى وضع القاعدة له على قائمة أعدائها. ولعل النظر فى نتيجة الحوادث يقود إلى نتيجة مفادها بأن الخارج الداعم للرئيس، والآخر الكاره لانبطاحه، قد تسبب بطريقة مباشرة وغير مباشرة فى محاولة الاغتيال تلك.. ولعل تأخير حملة القوات الغربية والإفريقية بقيادة فرنسا فى استعادة السيطرة على شمال مالى يشى بأن التخلص من الرئيس الموريتانى كان هدفًا مهمًا لإبطال هذا التحالف.. فمن السهل على القاعدة والتنظيمات المحلية فى منطقة أزواد الإسلامية منها والوطنية التعامل مع أى قوى تأتى إليهم بدون موريتانيا.. فبحكم تشابك العلاقات فإن الجارة موريتانيا تعرف عنهم كل صغيرة وكبيرة.. أما هؤلاء القادمون فلا يعرفون شيئًا، ومن ثم سيعلنونها، حسب تصريحاتهم، حربًا للعصابات ضد القوات القادمة، توقع فيهم من الخسائر ما لا يطيقون.. وفى هذا السياق ربما يكون البعد الخارجى مسئولاً عن ترتيب محاولة الاغتيال تلك. وللحديث بقية فى المقال القادم بمشيئة الله.