بالموازاة مع الترويج المتصاعد لعودة وشيكة لرئيس الجمهورية إلى البلاد واستئنافه لمزاولة مهامه، يلاحظ احتدام للصراع بين أجنحة السلطة مع تعاظم حالة من الارتباك تكاد تشل معظم أجهزة الدولة. ومن بين مظاهر الارتباك، يبرز التساؤل الرئيسي: لماذا بقي الرئيس من دون مدير ديوانه وحتى من دون مدير تشريفاته، في وقت بدأ فيه يستقبل التهانئ بل ويستقبل الجالية والضيوف الأجانب؟ من يلعب دور مدير الديوان هناك؟ وبأي حق؟ وأي دور يلعبه مدير الديوان هنا؟
تتحدث المعلومات أن الدائرة الضيقة لمحيط الرئيس فرضت حوله طوقا في فرنسا وقامت بإبعاد كل من هم خارجها بما في ذلك موظفوا الدولة السامون وذلك من أجل ضمان عدم تسريب أية معلومات عن ما يجري داخل المستشفى العسكري الفرنسي، وأن تلك الدائرة فرضت وجودها منذ اللحظات الأولى باعتبارها المالك الشرعي لسلطة اتخاذ القرار حول كلما يخص الرئيس لتتحول مع الوقت إلى مركز نفوذ رئيسي للقيادة والتوجيه.
أما على المستوى الداخلي، فيتركز الصراع بين جناحين رئيسين يقود الأول منهما قائد الأركان الوطنية بينما يتمسك الثاني بالوزير الأول باعتباره الرأس الشرعي للسلطة التنفيذية بقوة الأمر الواقع. وتنظر أوساط عريضة إلى اللواء غزواني على أنه المالك الفعلي للسلطة انطلاقا من موقعه كقائد للاركان ورئيس للمجلس الأعلى للأمن، وإن ظلت هناك شكوك جدية مثارة حول مدى حصول إجماع حوله داخل الأجهزة التي يديرها وحتى حول قدرته على اتخاذ أي قرار يمس التوازنات القائمة.
وإذا كان جناح اللواء غزواني يحظى بدعم بعض أعضاء الحكومة ومدير ديوان الرئيس وأحد تيارات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، فإن جناح الوزير الأول لا يحظى بالكثير من المؤيدين ضمن الدوائر العليا للدولة وهو ما يفسر كونه لا يبحث عن أكثر من المحافظة على نوع من الوجود حتى لا يبدو وكأن الأحداث قد تجاوزته بالكامل. ويمكن النظر إلى تكثيف النشاطات الحكومية مؤخرا على أنها تدخل ضمن هذا الاطار باعتبارها مساهمة الحكومة في الجهد السلطوي الرامي إلى إظهار أن غياب رئيس الجمهورية لا يؤثر على العمل الحكومي بل يعطيه دفعا أكبر.
تمايز هذه الأجنحة وسطوعها في الواجهة، لا يعني أنها تغطي مختلف الطموحات المتحفزة للحفاظ على الوضع الراهن أو تلك الساعية لتغييره بالنظر لتعدد مراكز القوى ولتنامي نفوذ ما يمكن أن يطلق عليه "الأقليات الاستراتيجية" (السياسية والاجتماعية) في بعض المفاصل الحساسة للدولة. غير أن كل هذا الصراع يعكس –من بين أمور أخرى- عمق "الشعور" بالشغور المؤقت لمنصب رئيس الجمهورية داخل دوائر صنع القرار إن لم يكن الأمر يتعلق بما هو أعمق من الشعور وأبعد مدى من مسألة الشغور المؤقت!
وقد يكون عمق هذا الشعور –أو ما هو أبعد منه- هو منبع حالة الارتباك الملاحظة في كل مكان سواء تعلق الأمر بطريقة تفسير الحادث للرأي العام أو ب"الحيل" المتبعة لتوضيح الحالة الصحية للرئيس وتحديد موعد عودته، وسواء تعلق بتحويل رئيس الجمهورية إلى "ملكية خاصة" وحجبه عن الموظفين الذين يفترض أن يكونوا على تماس به في مختلف الظروف ما دامت هناك صلة تربطه بمؤسسة رئاسة الجمهورية.
اقلام