في عام 1988 خرجت السينغال من انتخابات رئاسية على وقع حالة من الاحتقان الشديد بفعل اندلاع حراك "سوبِّي" (التغيير بالولفية) الاحتجاجي الذي حركه زعيم المعارضة السينغالية، يومها، عبد الله واد بعد خسارته أمام الرئيس عبدو ديوف؛ بينما كانت موريتانيا تعيش تصدعا في جبهتها الداخلية بسبب تداعيات محاولة انقلاب أكتوبر 1987 التي اتهم عدد من الضباط الزنوج بتدبيرها ضد نظام الرئيس معاوية ولد الطايع، الذي شن - فيما بعد - حملة اعتقالات وتصفية واسعة في صفوف التيار البعثي ذي الخلفية القومية العربية..
بادر الرئيس السينغالي، عبدو ديوف، إلى تدعيم جبهته الداخلية عبر إشراك ألد خصومه السياسيين في إدارة البلاد؛ حيث عين غريمه القوي عبد الله واد وزيرا للدولة لدى رئيس الجمهورية، وعين منافسه الثاني في رئاسيات 1988 عبد الله باتيلي وزيرا في الحكومة؛ لتندلع أعنف أزمة في تاريخ العلاقات بين موريتانيا والسينغال، في إبريل 1989، والتي استمرت إلى غاية مطلع العام 1992.
في عام 2000 انتخب عبد الله واد رئيسا للسينغال وكان يتبنى موقفا غير ودي تجاه العلاقة مع موريتاتيا؛ لكنه تريث في اتخاذ أي إجراء مناوئ للجارة الشمالية إلى أن ضمن سد أي ثغرة محتملة في جدار جبهته الداخلية؛ إذ قاد بنفسه حملة دبلوماسية شرسة كللت باختيار سلفه وخصمه السابق، عبدو ديوف؛ أمينا عاما لمنظمة الفرانكفونية الدولية.. وبعدها أطلق مشروع "الأحواض الناضبة" الذي فجر أزمة جديدة مع موريتانيا؛ واجهها الرئيس ولد الطايع بصلابة وتصعيد دبلوماسي وتهديد عسكري غير مسبوق.
واليوم ينحو الرئيس ماكي صال نفس المنحى الذي سلكه من سبقوه؛ حيث تراجع عن استهداف الرئيس السابق عبد الله واد وأعاد له ممتلكاته العقارية بعدما صادرها في إطار محاكمة نجله كريم واد، الذي تم الإفراج عنه ووقف كل المتابعات القصائية في حقه؛ في مسعى واضح لتدعيم الجبهة الداخلية في السينغال، قبل اتخاذ الخطوات الاستفزازية الأخيرة تجاه موريتانيا؛ مغتنما حالة حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي الملحوظ التي ظهرت في موريتانيا بعد الاستفتاء الدستوري الأخير وما تلاه من ملفات أمنية وقضائية بحق عدد من المعارضين في الداخل والخارج، وبعض النقابيين والصحفيين... فهل ينجح الرئيس ولد عبد العزيز في التعامل معه بذات الحزم والصرامة والحنكة التي تعامل بها ولد الطايع مع ديوف وواد؟
صلابة الجبهة الداخلية هي السلاح الأقوى لردع كل الأطماع
السالك ولد عبد الله، كاتب صحفي