نواكشوط - المختار السالم/ جاءت حادثة إصابة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بطلق ناري ليلة أمس الأول، وإجراء عملية جراحية له في نواكشوط ثم نقله إلى الخارج (فرنسا) لتلقي العلاج، في توقيت حساس داخلياً وإقليمياً .
فعلى المستوى الداخلي، وفضلاً عن الأزمة السياسية الطاحنة التي تعيشها البلاد، حيث تطالب المعارضة برحيل الرئيس بأي ثمن، ويصر الرئيس على إكمال مأموريته وعلى الاحتكام إلى انتخابات عامة، فإن الرواية الرسمية للحادث تعاني من فقدان »حلقات كثيرة«، إن لم يكن فقدان السلسة بأكملها، من بينها كيف استهدف الرئيس في منطقة عسكرية ومعلوم أنه كان متواجداً في نواحيها، ومن أطلق النار بهذه الكثافة التي أصابت الرئيس بثلاثة عيارات نارية أحدها في البطن، رغم الشراسة المعروفة عن الحرس الرئاسي الموريتاني، والدفاع المستميت الذي أبداه الحراس في محاولة لحماية رئيسهم .
ثم ما هو سر العسكرة الأمنية التي تعيشها نواكشوط منذ أسابيع وتشارك فيها جميع وحدات الجيش والأمن (الحرس، أمن الطرق، الشرطة، الدرك، الجيش)، وهل هي مرتبطة كما تم تسريبه بدخول عناصر سلفية إلى البلاد، أم عن مخاوف مما وقع أي استهداف محتمل للرئيس. من أطلق النار؟ وكيف؟ وما نتائج التحقيقات الجارية، وهل هي للتمويه فقط، وهل حدث اختراق لوحدات الجيش وفق التعبير »حادث عرضي مدبر«، وما سر حملة التفتيش المستمرة شمال نواكشوط إذا كان حادثا عرضياً وصاحبه معروف و»معذور« في إطلاق النار للاشتباه، وفق الرواية الرسمية .
ثمة تداعيات واستفسارات كثيرة مرتبطة بهذا الحادث الأول من نوعه في تاريخ البلاد، أولاً، العامل المرتبط بحقيقة صحة الرئيس ولد عبد العزيز وفترة غيابه عن البلاد، ووضعه الصحي بعد رحلة العلاج، حيث لا يوجد في الدستور الموريتاني منصب نائب للرئيس يسير شؤون البلاد، وإنما هناك تقاليد مطاطة بأن يتولى الوزير الأول (رئيس الوزراء) تسيير الشؤون العامة والضرورية، في حين أن المعلومات المتوافرة تؤكد أن مقاليد الأمور الآن باتت بيد الجنرال القوي محمد ولد الغزواني، قائد أركان الجيش، وضباط محدودين في الحرس الرئاسي أقوى وحدات الجيش الذي لا يخضع لقيادة الأركان، وإنما يتبع مباشرة للرئيس .
وثانيها »قدرة« جنرالات »المجلس الأعلى للأمن القومي« على الوفاء لرفيقهم ورئيسهم المصاب الذي لا يتمتع بمؤسسات سياسية حقيقية وفاعلة تحميه، وإذا أخذنا الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية في هذا الإطار، فإن هناك ضغوطاً كبيرة كانت تمارس على الجيش من المعارضين المناوئين بالتخلص من ولد عبد العزيز باعتبار حكمه »حكماً قبلياً كارثياً« على البلاد وعلى ثرواتها . أما العامل الثالث فهو موقف المعارضة التي جمدت بعض نشاطاتها في انتظار استجلاء الصورة الكاملة للحادث و»تمنياتها بعودة ولد عبد العزيز إلى أسرته سالماً«، بينما أحجمت المعارضة عن بلورة موقف عام صارم من هذا الحادث، وكأن واقع حالها يميل مرة أخرى إلى استبدال عسكري بآخر . أما على المستوى الإقليمي فقد جاء الحادث في وقت يتم فيه تحضير المنطقة لحرب إقليمية ضد الفرع المغاربي للقاعدة وتحرير شمال مالي من الجماعات الإسلامية المسلحة، وفي حين تعول فرنسا وأمريكا والدول الإفريقية على دور »طليعي« للجيش الموريتاني في الحرب المنتظرة، وهو دور يبدو حتمياً خاصة في ظل ما تردد عن »ليونة« في الموقف الجزائري من التدخل العسكري، بعد ما اعتبر هنا في موريتانيا »تحفزاً« مغربياً للمشاركة في الحرب في شمال مالي
ومن شبه المؤكد أن الدول الغربية تدعم حليفها ولد عبد العزيز في أزمته الحالية، خاصة وأن الرجل وفى بكل التزاماته الأمنية السابقة، ونقل التعاون العسكري الغربي الموريتاني إلى مستويات غير مسبوقة، كما أن القوى الكبرى المهتمة بمنطقة الساحل الإفريقي ترغب بكل شيء إلا تغيير آخر على الطريقة المالية أو الغينية . ما يزيد الطين بله في المنطقة المقبلة على حرب مقدسة أخرى، إذ الفوضى في الحكم المركزي المالي والغيني وبلدان أخرى لا تتحمل الزيادة ببلد شاسع الصحاري كموريتانيا وذي موقع استراتيجي أكثر حساسية . بصفة عامة تبقى الصورة العامة في موريتانيا »ضبابية« إلى حد بعيد، بما فيها حقيقة الوضع الصحي للرئيس وطبيعة إصابته وهل ستكون لها تبعات صحية سلبية . رغم تأكيد الرواية الرسمية أن الرئيس شفي وأنه توجه للخارج لاستكمال العلاج لا غير، وأن عودته ستكون في وقت قريب . ويلاحظ أن القوى الخارجية المهتمة بالشأن الموريتاني لم يصدر عنها أي موقف حتى كتابة هذه السطو ولو التهنئة بسلامته .
في حين أن الرأي العام الموريتاني يعيش على وقع الحادث وسط غموض كبير في الوضع وتعدد الروايات وتضاربها، والتكهنات عن مستقبل النظام والنوايا الحقيقية لقادة الجيش، وقدرة النخبة السياسية الموريتانية على التعامل مع الحدث وتداعياته .