كثيرة هي نقاط الاستفهام التي تركها حادث إطلاق النار على رئيس الجمهورية مساء أمس في قرية " اطويلة " ، ورغم الرواية الرسمية التي تريد أن تقنع الرأي العام بأن الحادث عرضي وأن اطلاق النار جاء عن طريق الخطأ. فإن معطيات على الأرض تقف رافضة منطق الصدف وما يعتمد عليه من فهم السطحي للأمور .
فهل كانت حالة الاستنفار الأمني الأخيرة في العاصمة نواكشوط وغيرها من المدن مجرد صدفة وهل من الصدفة تزامن "رصاصة اطويلة" مع التوتر على الحدود مع الجارة مالي والحديث عن إمكانية مشاركة الجيش الموريتاني في الحرب التي قرعت طبولها في مجلس الأمن ولماذا إصابة الرئيس دون غيره؟؟؟.
قديما قال ابن عاشر رحمه الله : "وما أبى الثبوت عقلا المحال". ومع ذلك يبقى من المستبعد في نظري أن يكون تنظيم القاعدة وراء حادثة اطلاق النار، فلن يؤثر على الرئيس أن يعلن ذلك للمواطنين بل ربما حدث نوع من التعاطف الجماهري معه، ثم إن الرئيس يدرك أن القاعدة سوف تتبنى العملية .وعليه فلامبرر للتكتم على الأمر.
وإذا استبعدنا وقوف جهات سياسية ومدنية وراء الحادثة وهو فهم له مايبرره، يبقى أن نصدق الصدفة التي تساوي بفهوم المعادلة أن "رصاصة اطويلة" كانت رصاصة طائشة خرجت بفعل (ضغط خاطئ على زناد صديق ).
أو نتقل إلى الفرضية الأخيرة التي تقتضي بمنطق التاريخ أن الجيش أراد أن يتخلص من الرئيس قبل أن يزجه في حرب لاقدرة له على تحمل تبعاتها.
وهنا تعود بنا الذاكرة إلى صبيحة يوم 27 مايو 1979 م حيث سقطت طائرة رئيس الوزراء العقيد ولد بسيف في حادث غامض غموض "رصاصة اطويلة" وهو الذي كان يريد أن يستأنف حرب الصحراء بطريقته وقالت الرواية الرسمية حينها بمنطق الصدفة أنها سقطت وقال المتطرفون من تلامذة "ابن عاشر" أنها أسقطت.
ومهما يكن فإن لصدفة النظام في "رصاصة اطويلة" ما يبررها فمن غير المعقول أن يقبل الرئيس وهو يشعر بتمرد عسكري بالسفر خارج البلاد وهو خير من يعرف معنى أن يسافر الرئيس الموريتاني في ظل أجواء متوترة.
كما أن إصرار الإذاعة الوطنية - في الدقائق الأولى للحادث - على ذكر أبرز جنرالين ومتابعتهما لحالة الرئيس والتحقيق في حادث اطلاق النار يفهم منه أن المؤسسة العسكرية في حالة استقرار واصطفاف وراء الرئيس .
ومع أن الرأي العام الموريتانى سينقسم في شأن "رصاصة اطويلة" بين مصدق بالصدفة ومكذب لها مؤمن بوجود إشارات استفهام.
فإن واجبا أخلاقيا ووطنيا يملي علينا كموريتانيين سواء اختلفنا مع الرئيس أم اتفقنا أن نقف وراءه في هذه المحنة وأن نتمنى له الشفاء العاجل وأن ندعو الله أن يعيده لذويه .
فأي محاولة لاغتيال رئيس الجمهورية هي في النهاية استهداف لسيادة الدولة وطعن في ثوابت ثقافة شعبنا المسالم ، ولأن التاريخ يخبرنا أن القتل السياسي إذا حدث في دولة "ما" وأثمر عن تغيير نظام فشى فيها القتل ولا يعرف فيها نظام استقرارا بعد ذلك .