لقد نظمت الحكومة الموريتانية، يوم 25 من سبتمبر المنصرم، بمقر الأمم المتحدة في جنيف، ما أسمته "يوما مفتوحا حول حقوق الإنسان". ويبدو أن هذا اليوم المفتوح، الاول من نوعه في العالم، كان قد فشل فشلا ذريعا في تحقيق المقصود منه، لكنه نجح في تصدير الخداع واللعب بالأرقام والفساد المالي إلى خارج البلاد. لم يكن تنظيم هذا اليوم ضروريا أصلا؛ لأن الجميع يعرف ـ وأهل جنيف خاصة ـ أن حقوق الإنسان غير مصانة في موريتانيا؛ لأنها البلد الوحيد في العالم الذي مازالت تمارس فيه العبودية في وضح النهار وبمباركة من الدولة.. والكل يعرف، بمن فيهم المشاركون المصدرون لأطنان الخديعة تملقا واسترزاقا، أن قتلة الزنوج الثمانية والعشرين في إينال ينعمون بالحرية والتقدير وأن أصوات الايتام و الأرامل مبحوحة لا تجد آذانا صاغية.. والكل يعرف، الزائرون والمزورون على حد سواء، أن مناهضي العبودية يسجنون في عين فربه ولعيون وانواذيبو ونواكشوط عند ما يبلغون عن حالات استرقاق جلية، في حين يبقى المجرمون طلقاء يحميهم الدرك والشرطة والقضاة ورئيس ما نطلق عليه "الدولة" لنقص في المفاهيم... الكل يعرف أن نجل الرئيس قتل فتاة بمسدسه (أو شلها إلى الأبد) ولم يدخل السجن للحظة واحدة، وأن بيرام وزملاءه قبعوا في السجن لأربعة أشهر لمجرد تعبيرهم عن رفض آراء "فقهية " ممجدة للاسترقاق .. الكل يعرف أن الأساتذة قطعت رواتبهم وحولوا بشكل تعسفي لمجرد كونهم مارسوا حقهم في الإضراب .. فعن أي حقوق سيتحدث منظمو اليوم المفتوح حول حقوق الإنسان في موريتانيا؟؟
يدخل تنظيم هذا اليوم المفتوح في إطار السياسة العنصرية للنظام الموريتاني الذي يريد إخفاء وجهه الحقيقي والتدليس على سياسته التمييزية من خلال تعيين سفير من شريحة لحراطين معروف بالتملق و النفاق و إرساله إلى هذه الهيئة الأممية ليواري سوأة النظام بتعرية نفسه. وهذه هي المتاجرة بعينها التي دأب أزلام النظام على وصف نضالات "إيرا" و"نجدة العبيد" بها، في حين أن النظام هو الذي يتاجر بحقوق الانسان فيقسم المناصب السامية على لحراطين مقابل الترويج لسياسته المنكرة لوجود الممارسة المقيتة، كما يقسم المناصب السامية على الزنوج للترويج للكذب والتلبيس على الأخطاء الكبرى التي انتهجها النظام العنصري في سنوات الجمر والرصاص.
لم يحظ هذا اليوم المفتوح بالنجاح، ولم يتجاوز عدد مرتاديه عدد الوفد الموريتاني وسفراء الدول المجاورة لموريتانيا الذين تتحمل الدولة الموريتانية تكاليف سفرهم وإقامتهم في جنيف ليشهدوا عكس ما يعرفون عن موريتانيا لعل وعسى أن يكون ذلك معينا على إقناع الأمميين بالتقدم الذي "حققته " الدولة الموريتانية في مجال حقوق الإنسان، على أن لا يذكر من حصيلة لذلك التقدم إلا مصادقة موريتانيا على المعاهدات والاتفاقيات الدولية الضامنة لحقوق الإنسان.
لقد دأبت الدولة الموريتانية منذ نشأتها على المصادقة دون قيد أو شرط على المعاهدات الدولية، لكن في نفس الوقت لا تهتم بتطبيق تلك المعاهدات. ولا أحد يفكر في أن ذلك من نكث العهد الذي هو من شيم المنافق، فهل النفاق مبدأ من مبادئ الدولة الموريتانية؟.. أغلب الظن أن الأمر كذلك، انطلاقا مما علمتنا تجارب الحياة.
في الأسبوع الماضي سلم وزير الشؤون الخارجية الموريتاني اتفاقيتين للأمين العام للأمم المتحدة كانت موريتانيا قد وقعت عليهما، تتعلق الأولى برفض التعذيب في السجون. وفي اليوم الموالي مات سجين في سجن دار النعيم تحت التعذيب وتم التعتيم غليه رسميا. أما الإتفاقية الثانية فتتعلق بالسجون السرية، والكل يعرف أن أربعة عشر سجينا سلفيا لا يعرف أحد أين يسجنون.
إذن دولتنا توافق على كل المعاهدات على نية عدم الالتزام بها، ومع ذلك تجرؤ على تنظيم يوم في محل منتدى حقوق الإنسان في جنيف للتعريف بالتقدم الحاصل فيها في مجال حقوق الإنسان!!.. واهم من يعتقد أنه يخدع الناس في حين أن العالم ـ الغرب خاصة- تقدم إعلاميا قبل استقلال موريتانيا، وهم يعرفون أن يوم موريتانيا هذا المفتوح ليس إلا كذبة كبيرة تصدرها موريتانيا للخارج ..لم نكتف بخيانة العهود و الاتفاقيات، بل أصبحنا نشهد العالم على زيف دعاوينا .. ألم تبين الـ "سي أن أن" قبل فترة قليلة وجود الاسترقاق في موريتانيا، وعلى لسان سفيرة الولايات المتحدة في نواكشوط؟ .. ألم يبين البرلمان الأوروبي في أكثر من مناسبة انتهاكات حقوق الإنسان في موريتانيا؟..اليوم 10/10/2012 تنظم في ابريكسل طاولة مستديرة حول الرق في موريتانيا بطلب من "إيرا" تحضرها مقررة الامم المتحدة حول الرق السيدة شاهين آن ، والتي كانت قد أعلنت قبل سنة عن استمرار ممارسة الإسترقاق في هذا البلد الذي ينظم يوما مفتوحا حول حقوق الإنسان ! ما الذي نعيب على إسرائيل غير نكث العهود والتنكر للإتفاقيات الدولية وللقرارت الأممية ؟
لقد اتضح زيف ادعاءات الحكومة الموريتانية و تلبيسها على الإسترقاق و شراؤها للذمم لهدف التدليس و التزوير. و السؤال المطروح: لماذا تبذل الحكومة الموريتانية كل هذه الجهود من أجل إقناع العالم بما هو كذب و يسمون الدولة بالجمهورية الإسلامية ؟.. أليس ذلك تشويها للإسلام ؟ فلماذا بدل ذلك لم تجابه الدولة ظاهرة الإسترقاق بكل شجاعة و تقضي عليها بالإرادة السياسية؟ لماذا لم يقف رئيس "الدولة" أمام الجميع و يعترف باستمرار الإسترقاق بأشكال مختلفة و يحذر و يزجر و ينهى و يأمر بمحاربته بشتى الوسائل و يعد بتطبيق الشريعة ـ لا كالمرة الفائتة ـ ثم يزج بالممانعين في السجون،؟ أمر ملفت حقا. إنه التعود على الكذب المحفور في عقلية الحكام الموريتانيين ومن على شاكلتهم من الإقطاعيين الاسترقاقيين.
لقد بات من الضروري اتخاذ قرار جاد للقضاء على الرق عمليا وبقوة القانون، بدل تعيين حرطاني سفيرا في جنيف وتكليفه بالكذب...
إن المنظمات الحقوقية خاصة إيرا لم ولن تسكت بعد اليوم على كذب الدولة و تزويرها للحقائق مهما كلف الثمن .. وسوف نبذل كل غال و نفيس من أجل محاربة الإسترقاق والتمييز العنصري الذي تنتهجه الدولة في الوظائف السامية و في التعيينات الاسبوعية في مجلس الوزراء. وفي تقسيم رخص التنقيب و القطع الارضية و غيرها..
ابراهيم ولد بلال ولد اعبيد
نائب رئيس إيرا