هل نحن فعلا في أزمة سياسية إذا نظرنا إلى الزيارات المتسارعة والمتتالية التي يقوم بها رئيس الجمهورية والوفد المرافق له داخل الوطن وخاصة زيارته الأخيرة لولاية اترارزة مقاطعة اركيز ولقائه بالناخبين الذين عبروا جميعا وبحماس في مداخلاتهم القصيرة وإن كان موضوع الزيارة متعلق بالزراعة إلا أنه هيمنت عليه حملة الاستفتاء على الدستور بالإضافة إلى مهرجان اتحاد الفنانين والموسيقيين ومن تعلق بهم لنصرة رئيس الجمهورية في ملعب ملح الذي زاره هو الآخر والسيدة حرمه السيد الأولى والأخيرة هذه الزيارة التي أنارت وأثارت العديد من القضايا وعلى رأسها قضية الهيمنة الدستورية وهي المدخل الحقيقي للهيمنة الاقتصادية والسياسية الاستبدادية التي هي الفيصل بين الدولة ورئيس الجمهورية.
نظرا إلى أن هذه الأزمة الدستورية متعددة الجوانب والخطابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلا أنه كان من المفروض أن يكون هناك عمل حكومي لتدشينه أو وضع حجر أساسي على الأقل ليكون عقبة كأداء في وجه أحلام وآمال هذا الشعب ويجعله في دائرة مفرغة لا تعمل على كرامة العيش الكريم بالشكل المطلوب إلا بمبادراته وبيع ضمائره والتي يذهب ضحيتها أبرياء من هذا الشعب عن طريق نخبته ووجهائه الذين يرفعون شعار البلد نفاقا وعمائمهم طمعا في هذه الزيارة المصاحبة لكوكبة من الوزراء وأصحاب المبادرات ورجال الأعمال المهتمين بآليات السوق وميكانيزمات الاقتصاد وقيم الانفتاح وصور المنتصرين في كل المعارك الحكومية سواء تلك المتعلقة بقطع علاقاتنا مع دولة قطر الشقيقة المثيرة للجدل أو معركة المأمورية المنتهية الصلاحية لن تستطيع سياستنا المرتجلة مهما كان وضعها (ذات نفع عام أو خاص) أن تساهم وتنافس أو تنتصر ما دامت أسيرة ومقيدة بمسيرتها العاجزة والرافضة لأخذ أسباب التقدم والرقي الديمقراطي والتناوب السلمي على السلطة والحوار الشفاف من أجل مصلحة الجميع والذي يدعوا إلى عدم الهيمنة السياسة والدستورية المتمثلة في التعديلات الدستورية تحديدا فهي تواجه مقاومة شرسة ورفضا جامعا لكل المواطنين الشرفاء أصحاب الضمائر المخلصة للوطن والمواطن والموجودة في أغلب شبابنا اليوم المتحررة من القيود الاجتماعية القبلية والجهوية والطائفية ...إلخ
هؤلاء الشباب العاطلين عن العمل والراغبين في وعي الشعب وتوجيهه الذي عاش هو الآخر وعانى من التهميش وغلاء الأسعار وفقدان العدالة وبالتالي لن يستسلم لنزوات الحكام ورغبتهم الجارفة في الديمومة الرئاسية أو حتى الملكية الأبدية ويبقى السؤال المطروح هل نحن في أزمة دستورية خانقة أو على الأصح في مأزق سياسي خطير فالرئيس يعجل المخاوف ..! والحكومة تؤجل الآمال ..!
بدلا من العمل على الخروج من هذه الأزمة واللجوء إلى الحوار الجاد والتأني من أجل مشاركة الجميع (معارضة و موالاة) وحتى لا تزداد شكوكنا المزمنة ويتقلص الحوار على الذات ومنطق التفاعل مع الآخرين إلى غاية الانطواء السياسي والتقوقع مع أغلبية مغمورة حرصا على مصالحها الشخصية والاستفادة من نخبة الحكم الاستبدادي – العسكري و يعلنون صراحة بأنه هو مصلحة الشعب بل يؤكدون للجمهور بأنه هو القاصر وأن الحاكم هو ولي أمرهم وعليهم الطاعة والخضوع والهتاف باسم الرئيس (المغتصب) وباسم الدولة الضحية المنهارة الفاشلة في تحديد و تطوير قطاع التعليم والصحة والعدالة لاحتياج الجميع لهم ولعل ما تشهده منظومتنا بصفة عامة من تدهور لدليل على التخلف والانحطاط الذي وصله حتى لقب بالفساد والفشل وما يزيده انتعاشا هو غياب رؤية واضحة في محاربته واجتنابه واقتلاعه من الجذور وتبقى الإرادة القوية مفقودة .. وأنت أيها المواطن قدرك أن تعمل (لا أن تأكل وتشرب) وتدفع الضرائب غصبا عنك وتزرع ليحصد ثمار جهدك ودمك ذلك الحاكم لقيادة الدولة الخالدة .. و تتغنى بالنشيد الوطني والمطلوب منك أن تصوت على تغييره وتدنيسه هذا لوطن لا يعطيك إلا القهر والفقر .. وكل خدمة يقدمها لك مسبقا مدفوعة الأجر .. ولو كانت هويتك الوطنية .. أو إعلان ميلادك داخل المستشفى أو تحت ضوء القمر ..
الأدوية تباع للمرضى والمحتاجين وفاقدي البصر.. لا يهم فالشعب يعاني والخزينة امتلأت من أجل شراء أصوات البشر .. لكي ينجح الدستور وينتهي الأمر .. ويعلن المجلس الدستوري نجاح القائد ويتبجح ولي الأمر .. ويصفق الجمهور ويقول الإمام الله أكبر .. وتلعب الحكومة بالنار ويبقى الشعب يعاني والدولة تنهار تحت خط القهر والفقر .