بدلا من توجيه اهتمامه والمصالح الادارية التابعة له لخدمة ثروة حيوانية هي الأهم في المنطقة، فضلا عن كونها تمثل عصب حياة الاقتصاد الملامس لحاجيات المواطنين، يسعى وزير التنمية الريفية ابراهيم ولد امبارك ولد محمد المختار إلى تحويل قطاعه إلى خلية قاعدية للحزب الحاكم. ورغم أن البلد يعيش هذه السنة على وقع حمى الوادي المتصدع، التي كانت منتظرة بفعل كميات الأمطار المسجلة خلال موسم الأمطار وما يصاحب ذلك من حشرات تصيب الحيوان بالمرض وينتقل عبره الى الانسان، فان الوزارة لم تحرك ساكنا استباقيا ولا آخر مصاحبا للمرض. إن متابعة الصحة الحيوانية تتطلب صرف المخصصات لاكتتاب الاطباء البيطريين وشراء الادوية وتوفير المخابر وايفاد البعثات، وهو ما يكلف أموالا طائلة يرى الوزير أن الحزب الحاكم أحق بها من سلامة المواطنين ومواشيهم. مرض حمى الوادي المتصدع، وخاصة منه الحمى النزيفية، ليس بجديد على البلد، ففي سنة 2010 أحصت منظمة الصحة العالمية في موريتانيا 68 حالة من ضمنها 17 حالة وفاة، اعترفت السلطات ب13 منها، وقد شهدت تلك السنة موسم خريف جيد، في حين لم تسجل أية إصابة بالمرض طيلة سنة 2011، التي شهدت موجة جفاف حاد. لقد كان على الوزارة، والسنة الجارية تشهد تهاطلا غزيرا للأمطار، ان تعد تقارير لمعرفة الوضعية والسيطرة عليها قبل فوات الأوان، لكن نقص الأطباء البيطريين وانصراف الوزير إلى الوضع السياسي، جعلا المرض ينتشر دونما كابح من وقاية او علاج. لم يحظ انتشار المرض سنة 2010 بالاهتمام اللازم، ولم تعد عنه التقارير الكفيلة بالسيطرة عليه مستقبلا. وفي الأسابيع الماضية سجلت ثلاث حالات وفاة في "جونابه" بلبراكنه و"لتفتار" بتكانت و"واد الناقة" باترارزه، وهو ما يطرح تساؤلات حول ظهور المرض في اربع ولايات؛ منها ولاية آدرار. وعلى امتداد موريتانيا فإنه لا وجود لأطباء بيطريين سوى في وأكجوجت وروصو. وحسب إحصائية أعدت حديثاً فإن المفتشيين البيطريين غائبون نهائيا عن المقاطعات التالية: الطينطان تامشكط المجرية وشنقيط ، لعيون، النعمة، المجرية، مقطع لحجار، آمورج، النعمة، كيهيد، مقامة، أكجوجت، بير أم أكرين، أفديرك، وادان، تيشيت، ولاته، انبيكت لحواش، مقاطعات انواكشوط التسعة، فيما يوجد 17 منهم بين إدارة البيطرة والإدارات المركزية بالوزارة. في الوقت ذاته يوجد 50 طبيبا بيطريا غير مكتتبين في الوظيفة العمومية، وسيحرم 21 منهم من ولوجها بسبب وصولهم لسن الأربعين بحلول نهاية السنة الجارية. وترفض الوزارة الموافقة على اكتتاب أكثر من 15 طبيا، و20 ممرضا، و 5 مساعدين، بعقود مؤقتة لا يتجاوز عمرها أكثر من عام.كي يتسنى للوزير بعدها اكتتاب من يشاء منهم على أساس الولاء السياسي، وهو ما يرفضه الأطباء الذين يكثفون نضالاتهم من أجل اكتتابهم مبررين ذلك بأن الحاجة إليهم قائمة، وأن أي تأخر في اكتتاب زملائهم يعني القضاء نهائيا على آملهم بالولوج إلى قطاع الوطيفة العمومية. ويقول العاملون في المختبر البيطري اليتيم، إن مديرهم حقق رقما قياسيا في الأسفار، فقد كان مسافرا حينما كانت حمى الوادي المتصدع تحصد أرواح الافراد ورؤوس الماشية في ولاية آدرار قبل عامين، وهو اليوم مسافر منذ شهر ونصف وذات الحمى تحصد أرواح البشر وتثير الرعب بين ساكنة مختلف الولايات، رغم ان الدولة ترصد أكثر من 200 مليون أوقية لمجرد المتابعة والتقييم. ويتساءل البعض عن بنود صرفها، وكيف يتم استثناؤها من الرقابة والتفتيش. كان التوقع سائدا بان مزرعة التلقيح الصناعي في تنويش أن تكون أحسن حالا بوصفها أول تجربة نموذجية. ، غير أن تلك المزرعة عانت إهمالا شديدا إلى حد دخول أبقارها في إضراب عن الطعام، فقط لأنها لم تجده، فكان الهزال وعلامات الإهمال بادية عليها. فهل حكم الوزير بالإعدام على ثروة البلد الحيوانية بعد أن أهلكت سياساته منتوج الوطن الزراعي؟!
السفير