إن العجز الكبير في المرافق الضرورية (الصحية والتعليمة، والماء الشروب والصرف الصحي، والكهرباء ومختلف التجهيزات السسيوثقافية الأخرى) الذي يشكل الميزة العامة لولاية لعصابه يخلق متاعب كبيرة لقاطنيها تنضاف إلى المتاعب المترتبة عن هشاشة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المطبوعة أساسا برداءة السكن، وتفشي البطالة وقلة فرص الشغل على الصعيد المحلي، الأمر الذي يساهم في تعريض حياة العديد من الأفراد لعدم الاستقرار، وبالتالي تطلع البعض منهم إلى شد الرحال نحو الخارج، أو المدن الوطنية الكبرى في وقت لا تزال الوحدات المحلية (البلديات) التي أنشات لغرض تفعيل وتطبيق مبدأ اللامركزية الإدارية عبر التخفيف من معاناة المواطنين وحل مشاكلهم عن قرب وطرحها على مختلف الجهات المعنية عاجزة حتى عن تعبئة مواردها الذاتية وتسيير شؤونها الداخلية، وهو ما كان ترجمة واضحة لضعف دورها في إنعاش التنمية المحلية.
فالولاية تمتاز علاوة على مؤهلاتها الطبيعة بوجود رصيد بشري قابل لأن يشكل إحدى نقاط القوة في أية إستراتيجية تروم تنمية المنطقة، كما تتوفر على مؤهلات زراعية ورعوية بإمكانها أن تشكل ركيزة أساسية بل وقطب رحى في تلك التنمية إذا ما أحسن استغلالها وتدبيرها. ينضاف إلى هذه المؤهلات وجود طريق وطني يربطها زيادة على عاصمة البلاد بولايات داخلية أخرى، ويشكل منذ بنائه في منتصف السبعينات شريانا حيا لإنعاش الحركة التجارية بعاصمة الولاية لحد انعكس معه إشعاعها على جميع أطرافها ، مما يوفر فرصة لتنويع الأنشطة الاقتصادية غير الفلاحية التي من شأنها إذا ما استغلت أن تحد من الإنعكاسات السلبية للتقلبات المناخية على مستوى عيش السكان واستقرارهم مستقبلا.
وفي مجال التجهيزات الاجتماعية تظهر جميع المؤشرات التنموية بالمنطقة ضعف ما قامت به الدولة من تدخلات لصالح تنميتها، ثم انعدام جميع أنماط الاستثمار سواء من طرف الأفراد أو مؤسسات القطاع الخاص؛ فلا زالت الخدمات التعليمية تعاني من صعوبات جمة تتمثل في رداءة المباني المدرسية وسوء توزيعها وتفاقم ظاهرة التسرب المدرسي، وانتشار الأمية في صفوف السكان بسبب ضعف تغطية الوسط الريفي بالمدارس، التي إما أن تكون منعدمة تماما أو غير مكتملة الفصول، كما أن مؤسسات التعليم الثانوي يتركز معظمها في عواصم المقاطعات، مما يكرس ظاهرة الهجرة باستمرار إلى الوسط الحضري المثقل بمشاكله، ويزيد من اكتظاظ مؤسساته التربوية، مما ينجم عنه ضعف مستويات التلاميذ، وتدني مستويات نجاحهم في مسابقة الباكلوريا في كل سنة.
وعلى مستوى القطاع الصحي لا يزال مستوى التغطية الصحية ضعيف بالمقاطعة رغم توفرها على أكبر المؤسسات الصحية على مستوى الولاية، حيث لا تغطي وحداتها الصحية سوى نسبة 60% من حاجيات السكان المحليين، كما لا تزال نسبة 34% من السكان تقطع مسافة ساعة كاملة للولوج إلى أقرب نقطة صحية، كانعكاس لسوء التوزيع المجالي للبنية الصحية، ووجود بعضها مهجورا بسبب عدم استقرار الأطر الصحية، وغياب المعدات اللازمة، وحتى في الوسط الحضري يطرح هذا النقص بشكل فادح مما جعل الكثير من الاستشارات الطبية يتنقل أصحابه إلى مدينة انواكشوط على بعد 600 كلم.
وفيما يتعلق بالمياه والكهرباء كانت مستويات الولوج متدنية، فأغلب السكان يعتمد في شربه على مياه الآبار العادية، ولا يستفيد من المياه الصالحة للشرب سوى عدد قليل من هؤلاء، مع ما يترتب على ذلك من أخطار صحية بسبب تلوث مياه هذه الآبار التي قد يضطر السكان في حال نضوبها أو ارتفاع ملوحتها إلى شرب مياه الأمطار أو "الحسيان" أما الكهرباء فيقتصر وجودها لحد الساعة على مدينة كيفه، ولا تتجاوز نسبة المنازل المربوطة بها حسب عملنا الميداني 59.8% من جملة الأسر المستجوبة فيما تستنير البقية بالشموع، وفي الوسط الريفي تتوفر الطاقة الشمسية لدى نسبة 26.5% من الأسر، وعلى مستوى النقل والطرق تعاني بلديات انواملين ولقران وكورجل من عزلة شديدة، نتيجة عدم وجود طرق معبدة تربطها بعاصمة المقاطعة، وكما هو الشأن في الخدمات الكهربائية تتركز باقي الخدمات الأخرى المرتبطة بالتجهيزات الثقافية ببلدية كيفه مع أنها لا تزال محدودة بشكل شديد.
هكذا تحيلنا كل هذه المعطيات إلى أن هذه ولاية لعصابه تعاني فعلا من نقص حاد على مستوى التجهيزات العمومية، وبالتالي فإن هذا الحجم من الخصاص يتطلب تنمية محلية شاملة، تستهدف الجانب البشري أولا للحد من انعكاسات الفقر والأمية، وترفع من مستوى التكوين والاستفادة من التجهيزات والخدمات، وتعمل على تغيير العقليات والسلوكات السائدة، وتخلق الثقة في نفوس السكان والمسؤولين عنهم معا لإنجاح التدخلات التنموية، والحفاظ على المكاسب والمنجزات، فالفقر والأمية مثلا لا زالا يقفان حاجزا بين العديد من الأسر والولوج إلى الخدمات الاجتماعية كالتعليم، والصحة، والمياه، والكهرباء والتكوين والتخطيط العائلي، كما يسهمان في تحريك مسلسل الهجرة بشكل متواصل ، الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل عن ما مدى نجاعة الدور الذي ستلعبه المجالس الجهوية باعتبارها أداة هامة للتنمية في حل إشكالية التنمية المحلية بالولاية ؟ وهل ستسمح إمكانياتها المالية والبشرية بلعب ذلك الدور أم لا ؟.
الدكتورمحمد الأمين ولد لمات