في إحدى الدول الأكثر فقرا في العالم، يعبئ الرئيس الموارد العامة لإجراء استفتاء يتضمن بعض الإصلاحات المؤسسية، من بينها إلغاء مجلس الشيوخ، وتغيير العلم.
وتقوم فكرة الرئيس بشأن تغيير العلم على إضافة خطين أحمرين على العلم الحالي، وذلك بهدف "استحضار دماء الأجداد، وتقديمه للأجيال القادمة، كي تكون على استعداد للتضحية" من دون تعليق.
لكن كيف يحصل الاتفاق مع من يتخذون من الفقر ذريعة، من أجل عدم اتخاذ أي مبادرات لتعزيز أداء المؤسسات؟
ولعل الحجة حينما يطرح السؤال "لماذا تنظيم استفتاء شعبي في حين أن الناس لا يجدون من يطعمهم من الجوع؟ هي أن الديمقراطية والعيش وقدسية المؤسسات أولوية للوصول إلى دولة القانون، والتي لا تقدر بثمن.
مسار متعجرف
في حالة موريتانيا، فإن هاجس الرئيس بشأن إجراء الاستفتاء غير مجد، وخطر، ومن المفترض أن يكون رئيس الدولة الضامن للوحدة الوطنية، وأن لا يسهم أكثر في تقسيم الموريتانيين.
وعلاوة على ذلك فإن أهم طرف في المعارضة يدعو لمقاطعة الاستفتاء، وتعتبر أنه لن يضيف أي قيمة للبلد المنكوب، الذي يواجه تحديات سياسية واجتماعية كبيرة.
وبالإضافة إلى النقاش الدائر حول مشروعية إجراء التعديل الدستوري استنادا على المادة 38 من الدستور، فإن الرئيس أظهر نهجا يتسم بالتعجرف، في تحد للقواعد السياسية التي تحكم الحياة السياسية.
ويبدو أن الازدراء الذي يواجه به الرئيس معارضته غير مجد، ويظهر أن أغلبيته تشهد انقساما، خصوصا 35 عضوا بمجلس الشيوخ من أصل 56، الذين صوتوا ضد التعديل الدستوري، وهو ما يثبت صعوبة اقتناع القائد الانقلابي السابق بالديمقراطية ومتطلباتها.
وإذا كان الرئيس شخصيا حريصا على تنظيم هذا الاستفتاء، فإن من الممكن أن يقدم لتفسيره ألف فكرة وفكرة، فيعتبره مجديا لمستقبل موريتانيا، من خلال إلغاء مجلس الشيوخ، وإحلال مجالس جهوية محله، وإلغاء محكمة العدل السامية، وتغيير العلم والنشيد.
إن معارك موريتانيا الهامة توجد خارج ذلك، فهي على سبيل المثال تكمن في بناء وطن شامل يشارك فيه الجميع، بغض النظر عن لون بشرته، ووطنيته.
إن العبودية لا تزال ممارسة شائعة في البلاد، على الرغم من إعلان حظرها الرسمي، وتظل الحاجة ملحة في البلاد إلى وقف هذه الهمجية القائمة في البلاد، واحترام أبسط كرامة إنسانية.
جراح غائرة
ثمة فكرة أخرى ماثلة أمام الجنرال عزيز وهي المتعلقة بعودة اللاجئين الموريتانيين السود الذين يعيشون ظروفا لا تطاق بنهر السنغال على الحدود بين البلدين.
ويمكننا هنا الإشارة إلى الرئيس بشأن تسوية الجرائم التي ارتكبت من قبل الحكومة الموريتانية ضد 28 عسكريا من الجنود السود الذين أعدموا في ظروف سيئة بمنطقة إينال عام 1990.
ويمكن للرئيس عزيز كذلك إلغاء الجنحة التي بموجبها حكم على الشاب في مقتبل العمر محمد ولد امخيطير بالإعدام بتهمة الإساءة.
ويحتمل أن يفوز الطرف الداعم للرئيس في تمرير الاستفتاء الشعبي، لكن جراح البلاد تظل غائرة، مع استقطاب قوي في صفوف الموظفين السياسيين.
فأي مستقبل إذا ينتظر، خصوصا وأن الغالبية تلوح بافتراض وجود تغيير للدستور يسمح للرئيس الحالي بالترشح لمأمورية ثالثة؟
وتبقى موريتانيا بلدا مقلقا، ويثير الطموح الضعيف الذي يقدمه لها زعيمها الكثير من الاستغراب.
صحيفة لوموند الفرنسية,
ترجمة الأخبار.