منذ فجر الاستقلال أدرك الرئيس الأسبق المختار ولد داداه أنه بصدد إنشاء دولة بلا كوادر، نظرا لعزوف معظم الأهالي عن تدريس أبنائهم في المدارس النظامية، فكان لا بد من تحفيز الممتنعين عن طريق إسناد وظائف مهمة وحساسة في بعض الحالات لأولئك الذين قبلوا ولوج الدراسة العصرية. كان الدارسون حينها يتبوؤون مسؤوليات في أعلى هرم السلطة، حتى ولو لم تكن مستوياتهم المعرفية والأخلاقية تسمح لهم بذلك، غير أن أبا الأمة كان حينها رقيبا على كل ما يبدر منهم لوضعه في نصابه الصحيح، كما كان حكما بين الفاعلين حتى لا يبغي بعضهم على بعض. وبعد أقل من عقدين على ميلاد الدولة رحل المؤسس قسرا، وبقي الكادر الذي تم توظيفه في الظروف الآنفة الذكر، وأصبح المسؤول الأول عن إدارة البلاد في غياب من يقوم بدور المرحوم المختار ولد داداه. ورغم عدم وجود خيط يربط بين ذلك الجيل الافرانكفوني، إلا أنه ظل متحدا ومتماسكا في وجه أي إصلاح أو أي تعريب، بل وضد الكفاءات الوطنية التي حملت من الشهادات والكفاءة ما لم يتح للجيل المتحكم. من هنا تأتي الحملة الشعواء التي يقوم بها ثلاثة من سفراء موريتانيا الفاشلين، بمؤازرة ومباركة من أشباه المثقفين، للنيل من كفاءات سامقة استطاعت أن تتقلد وظائف سامية في المحافل الدولية. دوافع الغيرة والحسد والخوف من إظهار العجز والجهل وتجذر اللا وطنية، دفعت بهؤلاء إلى تحريض الرئيس محمد ولد عبد العزيز لوضع ثقله وعلاقاته الدولية من أجل انتزاع منصب سام يتقلده محمد السالك ولد محمد الأمين؛ وزير الخارجية الأسبق، خلال فترة سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، في منظمة الأمم المتحدة لحماية الملكية الفكرية. ويعود السبب إلى نشر الدبلوماسي الموريتاني المثقف، وما أقل المثقفين في مسؤولينا، لكتاب يتحدث تاريخ الحكم في البلد اعتبارا من وصول الرئيس الأسبق معاوية ولد الطائع إلى سدة الحكم. فما الفائدة التي سيجنيها البلد من فسخ الأمم المتحدة عقدها مع شخصية موريتانية من الوزن الثقافي والدبلوماسي الثقيل، غير ترك البلاد من لمزيد من العزلة والانكماش على الذات؟ ومن سيربح من ذلك غير من يحتكرون لأنفسهم أحقية تمثيل شعب مثقف وطموح بأشخاص لا تليق مستوياتهم المعرفية والأخلاقية بعالم القرن الحادي والعشرين؟
إن محاولة الزج بالرئيس في النزول إلى درك طمس التواجد الموريتاني في المنظمات الإقليمية والدولية، من خلال الضغط لسحب الثقة من كفاءات موريتانية طالما رفرف علم بلادها وذكر اسمها وتبنى الخيرون مساعدتها بسببهم، هي؛ بلا شك، محاولة لصرفه عن الوفاء بالتزاماته الانتخابية وقسمه الدستوري، وقذف الكرة في مرمى النظام لصالح معارضة رفعت سقف مطالبها إلى مطالبة الرئيس بالرحيل، فقط ليقتلوا عصفورين بحجر واحد؛ وأد المثقفين دوليا، وإسقاط النظام محليا.
وبلا شك فهذه ليست المرة الأولى التي ينزعج فيها أشباه المتعلمين من حصول كفاءة موريتانية على ثقة منظمات دولية وإقليمية، فقد أسقطوا تعيين الاتحاد الافريقي للدبلوماسي المقتدر والشهير الشيخ سيد احمد ولد باب مين لرئاسة بعثة الاتحاد لمراقبة الانتخابات التونسية، وارغموا الجامعة العربية على التراجع عن قرارها بتعيين الدبلوماسي المثقف محمد فال ولدبلالي ممثلا لها في ليبيا، وها هم اليوم يمنعون الدبلوماسي والخبير الدولي أحمدو ولد عبد الله من ترخيص لمركزه؛ الذي سيطوف باسم موريتانيا في أرجاء المعمورة.
إن تدمير المثقفين وإنزال العلم الموريتاني في كل مكان ليسا حلا لما تعانيه الطبقة السياسية التي حكمت مع مختلف الأنظمة المدنية والعسكرية التي تعاقبت على حكم البلاد منذ فجر الاستقلال، خاصة أن استشاراتها لتلك الأنظمة لم تخلف غير بطالة كسر بعض المثقفين شوكتها خارج البلاد، غير أن أشباه المثقفين لن يهدأ لهم بال ما لم تكن البطالة قدر الكفاءات الموريتانية في الداخل والخارج.
السفير