يلتبس الحزب فينا بثوب القبيلة وبطونها ،ولون الطائفة ووجودها ، و ثواء الجهة ومكانها، فيمتد الحزب فينا بامتداد ظلهم، وينحسر فينا بغيابهم ،بل طغيان مؤسس الحزب فينا و فوران اسمه وسمته جار على الحزب وعلم عليه ،يأفل بوفاته ،ويرحل برحيله،ويذبل بغيابه،ويخور بصراخ الشيب على هامته ،يحسبه المواطن هو وحزبه من وسائل الحياة للمتاجرة وتحصيل المعاش والمحافظة على المصالح الخاصة والضيقة للقبيلة والجهة والطائفة،وسطوته في الدولة. فالحزب آلة من آلات رئيسه ومتجر من متاجره ومنديل من مناديله ومطية من مطاياه يركبها متى شاء وأنى شاء إلى مبتغاه.
فلا يرى المواطن المسكين في الأحزاب سوى قبيلة تصارع في ميدان الوغى ضد بني فلان أو علان، أو جهة تكابد غمار المنافسة بين الجهات، أو طائفة تعاني وتزعم الغبن والاستعباد والعنصرية من أخواتها.
إذا أردت أن تعرف منتسبي الحزب أي حزب وحضورهم في أي ولاية أو مدينة أو قرية من الوطن، فاسأل عن قبيلة رئيسه، ومكان ميلاده، ولون طائفته، ومدى سطوته في الدولة، فسوف يكفيك هذا عن حملات الانتساب ومتابعة صناديق الاقتراع وسؤال أهل الشأن في معرفة حجم الأتباع. فأنصار الحزب لا تجمعهم فكرة هادفة، سوى رابطة القبيلة، وحدود الجهة، ولون الطائفة، ولا تشغلهم أخرى سوى غادة حسناء من منبت السوء يتغنون على مثالبها وهي بغض النظام وفضح عوراته أنى كان.
وفي هذا المقام أذكر حال المسؤولين والوجهاء مع زيف التزلف وسراب التملق وشهية النفع، بها يكون هواهم معك وسيوفهم عليك يوم الاقتراع.
فما يربو على سبعين حزبا فلن تجد منهم عدد أنامل اليد حاضرا في ولاية لعصابه على سبيل المثال، على شساعتها وكثافة سكانها، يصدق عليهم اسم الحزب، فالموجود منهم قائم على علاته .
فمن عرفنا في التاريخ بالشجاعة والإقدام وحسن الوفاء لرئيسه المختار بن داده والاستماتة في رفض الانقلاب عليه حتى مات غريقا وصار شهيدا ، ومن شهدنا عليه بالأمس بحفظ العهد لرئيسه سيدي ولد الشيخ عبد الله حفظا على ميثاقه وصونا لشرفه و نأيا منه عن الأهواء والأطماع، رحم الله الجميع، صار قبيلهم اليوم و أحفادهم لقبا لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية ومرآة له يعكسون محاسنه وخدوشه ويرى فيهم الحزب انسجامه وانتشاره في العشيرة، وهل من ضير في هذا الأمر ومن تثريب وهم أهل الأرض وشوكتها، وبيت الإمارة وسدنتها، وباب الولاية لمن أراد طرق بابها، لا وكلا. وإنما الضير في أن يلتبس علينا الحزب بهيبة الدولة ورهبتها، وحمية القبيلة ووشائجها، كأن الطاعن في الحزب قادح في القبيلة ولاعنها.
ويليه حزب التواصل الذي هو كالثقافة يأخذ من كل فن بطرف ويواصل بشق الأنفس سبيله ويبني مؤسساته بحشمة وخجل.
وأما تحالف الأب الثاني في موريتانيا بعد المختار ولد داده فله حظ من سواد العين في الولاية وما فيه من بياض فهو عزيز.
و المفتاح قد فتح قلوبا واكتسب آذانا في الجديد من الولاية والقديم وله أثر في بعض الضواحي. واذكر حاتما والقوى فأولئك ضيوف في الولاية والضيف في السياسة لا يتأمر. وبقية السبعين ليس لها ذكر في أرض الولاية ولا في سماءها، وعلى هذا المنوال قس باقي ربوع الوطن.