ليست إسرائيل أجنبية عما جرى في قمة الرياض
خلال ثماني سنوات في السلطة، ظل الرئيس أوباما عاجزا أمام نتنياهو الذي لم يفوت فرصة للنظر إليه بسخرية وإهانته. وقد أعلن هذا الأخير الحرب ضده في الولايات المتحدة: كانت وفود المنتخبين الديمقراطيين من حزب أوباما نفسه، وخاصة وفود الجمهوريين تتعاقب في إسرائيل لمبايعة نتنياهو. وبالمقابل، كان هذا الأخير يزورهم في الكونغرس، دون لقاء أوباما ويصفقون له أكثر من ما يفعلون لرئيس الولايات المتحدة نفسه.
ولكن أوباما تمكن، قبل مغادرته البيت الأبيض، من تسجيل نقطتين ضد نتنياهو: الاتفاق النووي مع ايران والتصويت بالإجماع في مجلس الأمن (امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت لأول مرة) ضد توسيع المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين، الشيء الذي انبثقت عنه وثيقة هامة تدين إسرائيل مودعة الآن لدى الأمم المتحدة.
لم يتمالك السيد ترامب، الرئيس المنتخب، حتى قبل تسلم مهامه، عن التنديد بهذا القرار وتهديد باقي أعضاء مجلس الأمن. ولا شك أنها واحدة من النقاط التي يحقد فيها ترامب على أوباما، أما الاتفاق النووي مع إيران، فإن الرئيس الأمريكي المنتخب يعد بإلغائه أو على الأقل بتغييره.
إن ترامب من أتباع المدرسة الاقتصادية المركنتيلية المؤسسة على الحمائية وقوة الدولة وإثراء زيد على حساب إفقار عمر، ويحاول إنهاء المعاهدات والمجموعات الجغرافية (التي يفترض أن التبادل في إطارها يفيد الجميع) التي تربط الولايات المتحدة بدول أخرى، وذلك من أجل التعامل الثنائي من موقع القوة مع كل دولة. لقد ولى عهد فكرة دفع الأموال عن الآخرين. كانت بلدان الخليج هي المستهدفة الأولى، حيث طلب منها السداد والاستثمار في الولايات المتحدة. إن المملكة العربية السعودية، التي تم على الدوام تحميل وهابيتها مسؤولية التطرف والإرهاب التي تشكل أيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، قد تم اتهامها مرارا وتكرارا بسبب تمويلها للإرهاب من قبل الرئيس الأمريكي السابق ونائبه ووزيرة خارجيته، هيلاري كلينتون. وتظهر بعض الإحصائيات الحديثة أن غالبية قادة تنظيم الدولة الإسلامية وكبار مموليها من مواطني المملكة الوهابية. ومنذ هجمات 11 سبتمبر 2001، تم بالفعل تحميل المملكة العربية السعودية مسؤولية الأضرار والتعويضات الناجمة عن تلك الهجمات والتي تبلغ مليارات الدولارات بمثابة سيف مسلط على رقبتها. لذا نفهم بسهولة كونها أول من استجاب لطلب الأموال الذي أطلقه ترامب. وقد التزم ابن الملك، وهو ولي ولي العهد وواحد من أول الذين استقبلهم السيد ترامب في واشنطن، باستثمار 200 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال مدة خمس سنوات. لم يتطلب ترامب أكثر من ذلك ليطلق 59 صاروخا (منها 23 لم تصل هدفها، ربما بسبب اعتراضها من قبل الصواريخ الروسية) على مطار عسكري سوري قصفته إسرائيل بالفعل في اليوم السابق، بسبب موقعه الإستراتيجي، حيث هو الأقرب إلى إسرائيل والذي انطلق منه الصاروخان اللذان اعترضا الطائرات الإسرائيلية.
وخلال قمة الرياض، التي شكلت حملة صليبية ضد إيران وسوريا وحزب الله، قبض السيد ترمب أكثر من 400 مليار دولار، من ضمنها 110 في مشتريات الأسلحة. وبالمقابل، أعلنت القمة الحرب على إيران، الذي تم تعيينه الآن العدو الرئيسي للعالم العربي والإسلامي وعلى الإسلام الشيعي وعلى الإرهاب (أي: حزب الله وحماس).
جرائم قطر من منظور ترامب والمملكة العربية السعودية
بالنسبة لترامب والمملكة العربية السعودية، تتمثل الجريمة الرئيسية لقطر، وهي القشة التي قصمت ظهر البعير، في التهانئ الحارة التي وجهها أمير قطر إلى الرئيس الإيراني بمناسبة انتخابه الرائع، وذلك في اليوم الموالي لقمة الرياض. صحيح أن هذه التهنئة للرئيس الإيراني تناقض كل ما تم الاتفاق عليه في القمة والأسباب التي أدت إلى تصميم وإعداد القمة.
هناك سبب آخر لا يقل أهمية، يتعلق بالمال: بالنسبة لقطر، عاد السيد ترامب بخفي حنين. وبالنسبة للرئيس ترامب والمملكة العربية السعودية، أصبحت قطر منذ هذه التهاني الممول الرئيسي للإرهاب من منظور ترامب وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والإرهابيون هم إيران وسوريا وحزب الله و حماس، أي محور مقاومة إسرائيل والولايات المتحدة وعملائهما في المنطقة.
إن الإرهابيين الحقيقيين هم المنظمات الممولة والمدعومة من قبل قطر والسعودية وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة في سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر، نعم مصر!
إن الإرهابيين هم الدولة الإسلامية والنصرة (القاعدة سابقا) وجيش الشام وجميع المنظمات الأخرى التابعة لها. تحارب هذه المنظمات سوريا، بدعم من إسرائيل التي تشكل لهم قاعدة خلفية، حيث يعالج جرحاهم في إسرائيل وعندما تتراجع هذه المنظمات الإرهابية ويطاردها الجيش السوري تتدخل إسرائيل لحماية انسحابها. إن هذه المنظمات التي تمولها قطر والمملكة العربية السعودية من جديد، والتي تدعي الانتماء إلى الإسلام لم تطلق قط رصاصة واحدة ضد إسرائيل، عدو الإسلام.
تدعم قطر الجناح السياسي لحركة حماس، القادة، لأن هؤلاء يحملون إيديولوجية الإخوان المسلمين. وقد ضغطت قطر على حماس لدعوتها إلى تمرين موقفها حول القضية الفلسطينية، حيث أصدرت حركة حماس وثيقة تعترف فيها بإسرائيل دون ذكر اسمها “كل دولة داخل حدود 1967″، وأضافت أنها حركة ذات توجه إسلامي ولكنها لا تربطها أي علاقة تنظيمية بالإخوان المسلمين، وأنها حرة في مواقفها وتحليلاتها. وتجدر الإشارة إلى أن حماس قد جددت قيادتها السياسية، حيث خلف إسماعيل هنية القاطن في غزة وليس في الدوحة، خالد مشعل. وقد طلب من عدد من مسؤولي حماس مغادرة الدوحة بعد قمة الرياض. وفي هذه الأثناء كان وفد من حماس موجودا في القاهرة خلال الأزمة، ويجري الحديث عن تقارب بين حماس ومحمد دحلان (المعروف بقربه من السلطات الإسرائيلية والإمارات ومصر). وإذا كان كل ذلك سيحل مؤقتا مشاكل عديدة ظاهريا، حيث يستطيع القطريون القول بأنهم لم يعودوا يؤوون قيادة حماس التي رحلت إلى غزة، ولهذا السبب استطاع وزير الخارجية الأمريكي أن يقول: “لقد قطعت قطر خطوة ولكنها لا تكفي”. كما تنهي مصر اتهامها بالمشاركة في حصار غزة بفتحها معبر رفح؛ أما هنية المقيم أصلا في غزة فقد رئيسا لحماس وفتح له معبر رفح وزاد استقلاله عن رام الله، فلا يبقى له إلا تحرير فلسطين الذي يشكل مهمة للجميع فلسطينيين وعربا ومسلمين.
وأخيرا ينهي دحلان عزلته نسبيا ويقيم الآن جسرا مع حماس ليصبح الآن في نفس الوقت فتحاويا وحمساويا.
وإذا كان هذا الانقسام الفلسطيني يحل قضايا بعض الأطراف مؤقتا، فإنه سيظل عائقا مستعصيا أمام وحدة الفلسطينيين وأمام تحرير فلسطين.
وباستثناء الكويت وسلطنة عمان، فإن هذه الدول الخليجية، وخاصة قطر والمملكة العربية السعودية، هي التي أصبحت تسيطر على الجامعة العربية التي صارت اسما بلا مسمى وطلبت تدخل حلف شمال الأطلسي لتدمير ليبيا واغتيال زعيمها معمر القذافي. وهذه هي المرة الأولى التي تدعو فيها منظمة إقليمية القوات الأجنبية إلى قصف أحد أعضائها وقتل رئيسه. ويحاولون الآن نفس الشيء في سوريا والعراق، مهدي العروبة والإنسانية، وتستخدم تلك الدول هذه المرة قواتها الخاصة لشن حرب لا إنسانية ضد اليمن.
وخلال أكثر من سنتين شاركت قطر في حصار هذا البلد العربي الصغير الفقير. لقد انقلب السحر على الساحر. ولكن ديننا الحنيف يذهب إلى أبعد من ذلك، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﱠ البروج: 10.
ويتمثل هدف جميع هؤلاء العملاء وسادتهم، إسرائيل والقوى الغربية، والذين يقاتلون على طول الحدود العراقية السورية من الشمال إلى الجنوب (الرقة ودير الزور وأبو كمال والحدود السورية- الأردنية- الإسرائيلية) بغية إنشاء دويلات كردية من أجل إقامة حدود بين هذه الدويلات الكردية وإسرائيل، وبالتالي فصل العراق عن سوريا وكسر محور المقاومة: إيران والعراق وسوريا وحزب الله في لبنان. وبذريعة تحرير الرقة ومحاربة الإرهاب، تحاول القوات الأميركية والفرنسية والبريطانية والألمانية بشكل سري، دون فرقعة ولا ضجة، أن تنصب بدلا من داعش التي تنسحب دون قتال، ”القوى الديمقراطية السورية”، المكونة أساسا من الأكراد السوريين.
إن الدخول في صراع مع المملكة العربية السعودية وتهنئة الرئيس الإيراني بمناسبة انتخابه وإيواء الجناح السياسي لحركة حماس تشكل خطوة لا يمكن نفيها ولكنها ليست كافية، حيث يبقى تمويل الإرهاب وخاصة في سوريا والعراق. لا شك أننا نواجه أزمة حقيقية اتخذت جميع الأشكال وشملت كل المجالات بين دولة قطر من جهة، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين من جهة أخرى. ومن غير المتصور أن تستمر هذه الأزمة، بدليل أن قسوة وشمولية العقوبات برهان على أن الذين اتخذوها أنفسهم لا يريدون اسمرارها، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإمارات، متداخلة كثيرا مع بعضها البعض وتقع تحت سيطرة وحماية الولايات المتحدة وتنمو كل واحدة منها تحت مظلة قاعدة أمريكية. ولن يترك الأميركيون الوضع يتردى ولا يستمر دفاعا عن مصالحهم. بل بدأنا نسمع خطابين في الولايات المتحدة: خطاب الرئيس الذي يواصل الضغط على قطر وخطاب وزير خارجيته ووزير دفاعه اللذين يتحدثان عن “وضعية بدأت تضر بالمصالح الأمريكية وتمنع القوات الأمريكية من محاربة الإرهاب”. أما تصريحات وزير الخارجية السعودي التي تصف قطر بدولة منكوبة، سرعان ما تستفيد من المساعدات الإنسانية الغذائية السعودية، فتمثل قمة الوقاحة ولا تستحق غير الاحتقار.
أين موريتانيا في كل هذا؟ ما الذي دفع ولد عبد العزيز إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، بينما ترسل الجزائر والمغرب طائرات محملة بالمواد الغذائية. أما إريتريا الصغيرة، فقد أصدرت بيانا تقول فيه إنها ترفض قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر على الرغم من الضغوط العديدة التي مورست عليها.
ترى هل أصبحت بلادنا إمارة خليجية، وصار ولد عبد العزيز أميرا؟
الدكتور محمد محمود ولد اماه رئيس الاتحاد الشعبي الديمقراطي الاجتماعي
– ترجمة : مركز الصحراء