في عالمنا الإسلامي المتفجر الأركان ، أخشى ما يخشاه الفرد هو أن يتحول أمنه و استقراره و كده على عياله ، و آماله و تطلعاته إلى خوف و فزع و نار و دمار .
و في موطن كموطني المتعدد الانتماءات الاجتماعية و المشارب الفكرية ، المتنازع بين شمال يسحبه للشمال ، و جنوب يجر للجنوب ، و باحث عن دور و عن مستوى ثقافي ليلعب ذلك الدور ، يكون الملح هو إيجاد بوتقة مرضية ، لا حيف فيها ، يرضى بها الجميع ، لتأمين مستقبل للأجيال القادمة و صهرها في مجتمع موحد آمن مطمئن ، يأمن حاضره و يؤمن مستقبله و استمراره.
جفي موريتانيا لا يرفض الفلاني الذي يتلو قرآن الفجر تدريس أبنائه اللغة العربية ، و لا السننكي المربع في باحة منزله يتلو و يسبح بمسبحته ذلك ، و لا الشيخ وسط تلاميذه في أعماق الوطن تدريس أبنائه اللغة الفرنسية ، و لا يفهم الكهل الحرطاني الحامل محراثه في حقله ما يدور من حوار ، و يعترف الجنوبي بثقافة الشمالي العربية و يعترف الشمالي بارتباط الجنوبي بامتداده الاجتماعي في دول الجنوب و ثقافتهم الفرنسية .
لا يتحمل المدني الحساني مسؤولية أحداث 66 و لا أحداث 89 فكلها مسؤوليات حكومات قائمة و أفراد قضوا ، و ليس من الإنصاف محاكمة جزء من المجتمع عليها .
و ليس من الإنصاف تحميل الجيل الحالي مسؤولية عبودية مورست من طرف رجال قضوا على آخرين كذلك ، كما أنه ليس من الإنصاف معاملة أبناء الأرقاء بنفس الأسلوب الذي عومل به آباؤهم ، فهم أنتي أحرار من لحم و دم يستحقون الندية.
أكبر معوق حالي في موريتانيا هو الفارق الثقافي بين شريحة الحراطين و باقي المواطنين ، و هي مسألة تحتاج إلى عمل لا إلى تنظير ، فيجب تطبيق التمييز الإيجابي بطريقة صارمة ، و افتتاح المدارس و تشجيع التدريس فيها و توجيه المجتمع المدني و الدعاة و المحاظر نحو أدوابة ، و إعلان حرب لا هوادة فيها للقضاء على هذا الفارق.
يجب توحيد النظام التربوي و القضاء على مظاهر التخلف باحترام القانون و تركيز مفهوم الدولة و إحياء روح الانتماء للوطن و توسيع مجال ممارسة الديمقراطية في حرية الرأي و حق الانتخاب مع احترام القانون.
لا خوف على إخوتنا الزنوج من التطرف فقد باتوا أكثر تحضرا و إحساسا بالمسؤولية و إيمانا بالدولة الموحدة ، لكننا يجب أن نتخلى عن فكرة الهيمنة الثقافية و فرضها ، فاالتنوع الثقافي عامل إثراء و ليس معوقا تنمويا..
لا يطالب إخوتنا الحراطين بغير الحق الثابت في المواطنة المتكافئة مع الآخرين ، و هي مسألة لن تأتي بغير القضاء على الفارق الكبير البين في الثقافة و المستوى الاقتصادي .
منذ نشأة الدولة ، بل و قبل ذلك ، و نحن نستورد حلول مشاكلنا ، و تستثمر في خلق القلاقل ، و لكن المستقبل و الأمن فيه يتطلب أن ننطلق من ذواتنا و ثوابتنا ، لنخلق فضاء يجمعنا لا دور للغير فيه.
في موريتانيا نحتاج إن نجتمع و يستمع كلنا للآخر و يسعى معه لحل مشاكله ، و نفهم أن السفينه إن غرقت فهي تغرق بالجميع ..