لم تعد بلدة"بدميان" القريبة من قرية القبره في مقاطعة باركيول تلك البقعة المعزولة الهادئة البعيدة كل البعد عن الحركة والضوضاء وأزيز السيارات وصخب المارة بعد أن اصبحت قبلة لمئات المنقبين عن الذهب الذين تدفقوا إليها خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة من كل أرجاء موريتانيا.
رجال قدموا من كل الجهات يحدوهم الأمل في توديع زمن الفقر من مكان يعد أفقر بقاع العالم.
ينتشر هؤلاء على طول عدة كيلومترات عبر مرتفع جبلي يمتد من الشمال باتجاه الجنوب وهناك يبكر المنقبون لحفر مال يسمى "الحسيان" وذلك بواسطة أعمدة الحديد والمعاول حيث يتم ذلك في صخور صلبة وبجهود مضنية للغاية حيث يقضي الرجال يومهم والعرق يتصبب منهم في تلك الحفر الحارة وذلك من أجل ملئ ما استطاعوا من خنشات من تلك الحجارة .
بعد ذلك تأتي المرحلة الثانية حيث يتم التعامل مع أصحاب ماكنات الطحين حيث تطحن الخنشة بسعر 5000 أوقية وبواسطة المياه والمصافي اليدوية وإضافة مواد منها الزئبق تتم تصفية الذهب الخالص.
المنقبون قالوا إن نسبة الذهب في الخنشة الواحدة يتراوح بين 3 إلى 10 غرامات وهو الأمر الذي يشجعهم على الاستمرار في العمل والصبر وحصد الكثير من الحجارة.
وحسب هؤلاء فإن الذهب في هذه المنطقة لا يوجد خالصا وحده كما هو حاصل في "تازيازت" وبعض المناطق الأخرى وإنما هو من مكونات الحجارة هناك التي لا بد أن تمر بالمراحل المذكورة والمتعبة ، المكلفة.
هؤلاء المساكين الذين تصببوا من كافة ربوع موريتانيا لم يعد بإمكانهم العمل والحصول على النتيجة المرجوة فقد باتوا مطاردين من طرف عناصر الدرك التي لا تغادر المكان، ولا يجد المنقبون فرصة للعمل سوى ما يفصلهم مع فطنة الدرك لمكان اختبائهم لذلك أضحوا متنقلين من مكان إلى مكان مما ضاعف التكاليف عليهم وأنهكهم وجعل الكثيرين منهم يعودون من حيث أتوا بعدما تكبدوا خسائر كبيرة.
وفي تصريحات أدلى بها عدد من هؤلاء لوكالة كيفه للأنباء التي زارت المنطقة مؤخرا هاجم المنقبون السلطات وصبوا جام غضبهم عليها ، متسائلين عن مصلحة الدولة في مطاردة الفقراء والتضييق عليهم في رزق الله وطالبوا الرئيس الذي تسمى باسم الفقراء تركهم يعملون في هذه الجحيم وهم لن يأخذوا إلا ما كتب الله لهم.
هؤلاء الناس تبدو على ملامحهم الفاقة وتظهر في وجهوهم علامات التعب الشديد حي تحولت بشرتهم إلى لون الصخور وتلون لباسهم بالغبار وتصبب العرق من كل جوارحهم إذ يبذلون جهودا عضلية في واحدة من أحر أماكن الدنيا. هناك يوجد المنقبون وهناك ينصب ملاك المطاحن معداتهم وهناك من يعمل لمستثمرين في الميدان فضلا عن الذين يعملون لأنفسهم.
لقد تحولت بلدة "بدميان" إلى مكان عامر وهناك ازدهرت حركة التجارة واستحدثت مطاعم وانتعشت مداخيل جميع الحرفيين من باعة لحم إلى تجار فحم إلى بائعات نعناع وخضر وغيرهم وللنساء حظ كبير من هذه الحركة الاستثنائية.
منقبو "بدميان" قوم يثيرون الشفقة فهم بشر معدمون جاءوا يبتغون رزق الله وبأقسى الطرق وأشدها صعوبة وانتهاكا لحقوق وخصائص البشر ومع ذلك لا يجدون رأفة من حكومة بلادهم التي تمنعهم من "تكسير الصخور ".
إن حالة هؤلاء لمن وقف عليها لتدمي القلب وتولد الكثير من الأحاسيس والمشاعر، وتجلعك تنورا يغلي غضبا وسخطا على هذه الحكومة التي لم تقدم شيئا للفقراء فإذا انتشروا في أرض الله طلبا لرزق الله ساقتهم بالعصي وأشعبتهم ضربا وتنكيلا.
سيأتي يوم إذا استمرت هذه السلطة الغاشمة يمنع على الناس فيه مد أيديهم لحبات النبق و"توكه" و"منجاقه" وكل ثمرات الله في أرضه !!
إنه الأمر المدهش حقا، المثير إلى ابعد الحدود فأين المفر أيها الفقراء؟