في اجتماع منذ أسابيع خلال قراءة تاريخية وحالية للوضع الراهن في موريتانيا قال أحد أبرز المفكرين الموريتانيين إن القبيلة في موريتانيا لم تعد لها ذلك الرونق القديم والهالة العظيمة التي تحيط بها، لم تعد كذلك الكيان الذي يتصارع أبناء الأسرة على زعامته بل إنها صارت الوسيلة الوحيدة للوصول لأعلى المناصب في هذا البلد، هذا الواقع المر الذي يؤلمني ذكره هو المسيطر في مشروع الدولة هذه التي لازالت بحاجة إلى خطوات جبارة لكي تنضم إلى مصاف الدول النامية على الأقل.إننا للأسف يغيب لدينا تماما مفهوم الدولة التي هي التعبير القانوني عن المجتمع إذ باستطاعتها فرض سلطتها على مواطنيها إذا كانت تستند في وجودها على قوة قانونية رادعة، ليس خطأ اعتبار أن موريتانيا لم تستحق بعد أن يطلق عليها دولة مدنية راهنا حيث الفساد والمحسوبية والسرقة كسمة أولى بل لأنها كيان اجتماعي متخلف تسيطر فيه القبيلة بشكل تكاد تتمنى انك من الأحسن لو لم تنتمي لها،الشاب المتعلم والمثقف والمفكر أول ما يبادرك به أحدهم ما هي قبيلتك؟
منذ بداية الثمانينات وانتهاج ما يعرف بالتعددية الديمقراطية مع نظام ولد الطابع بدأت مسألة القبيلة تترسخ شيئا فشيئا ولكن بمنطق الكتلة الانتخابية التي يسيطر فيها دائما شيخ القبيلة مقابل أموال وسلطة رمزية تدفعها الدولة ممثلة في الحزب الواحد الذي يستغل الجهل المنتشر في ترسيخ سلطته انطلاقا من المثل السائد (الكف ما يعاند اللشفة) وهكذا رسخ ذلك الحكم مفهوم القبيلة وساعد على توطيد علاقة الفرد ب هكذا كيان ينبغي أن تكون الأولوية القصوى على تفكيكه إذا كنا نبحث عن دولة مدنية قادرة على النمو والتقدم،هذه السياسة التي اتبعها هذا النظام حاول نظام ولد عبد العزيز إيهامنا انه سيتخلص منها من خلال خطاباته التي هاجم فيها القبيلة وقال إنها هي من دمر موريتانيا لكن سرعان ما عاد ليتمس بها بقوة محاولا العب بها وهو ما تم له خلال الانتخابات التي قيل أنه فاز بها، ليس النظام الحالي هو المستغل للقبيلة كمخزون انتخابي فمؤخرا أعلن أحد الأحزاب المعارضة عن انضمام مجموعة عرفها على أنها وجهاء وشيوخ المهم أنها منضمة للحزب.
إن بناء دولة مدنية يتطلب مواجهة قوية مع الرجعيين الذين يتبنون شعار القبيلة كنبراس للحول على حظوة أو تعيين في منصب ما، إذ ان الدولة و القبيلة لا يمكن ان يسيران جنبا الى جنب وهذا ما يحاول بعض السياسيين أن يقوم به ، الشخص الذي يتكل على قبيلته أو مجموعته لتحميه من المساءلة القانونية إذا ما أفسد أو سرق مالا عاما لا يمكن أن يبني أو يسير بلدا، لان الأولوية بطبيعة الحال ستكون للجهة التي ستحميه وهذا ما يفسر الضعف الذي يطبع مختلف الجهات المنوط بها تطبيق القرارات والأوامر القانونية الرادعة.
إن السلطة السياسية في موريتانيا من مصلحتها ان يستمر هذا التعلق قائما لان بقائها مرتبط بشكل وثيق ببقاء هذه الحاضنات الاجتماعية ،لان عدم وجود قبول في الشارع لهذه السلطة لا يمكن أن تعوضه إلا بسلطة اجتماعية أكثر قوة وهنا يتضح الدور الذي تلعبه القبيلة خدمة للانتهازيين الذين يفضلون المصلحة الخاصة على العامة المتعلقة بالدولة ككيان يستحق ان يضحى من أجله كي يظهر كقوة مدنية قائمة بذاتها، لقد ضغطت المعارضة(القبيلية) كثيرا إبان تحركاتها الماضية على النظام الحاكم واتخذت لذلك مختلف الوسائل ولكن تحرك أسبوعيا في نواكشوط يتطلب آخر موازي في الولايات الداخلية وهو الشيء الذي لم يحدث نتيجة السيطرة التي تتمتع بها القبائل هناك وهي التي باع شيوخها ذممهم للسلطة الحاكمة متمثلة في نظام ولد عبد العزيز واقفين بذلك كما العادة أمام بصيص أمل في نقلة نوعية ولو قليلة في الواقع الإجتماعي المتردي.
ليست القبيلة فرض ولا واقع لا يمكن التخلص منه لان هناك دول كثيرة متقدمة في مختلف المجالات قضت على هذا الواقع المزري الذي حاصرها منذ فترة ليست بالقصيرة، وان وجدت فإنها متوارية بعيدا في المناطق النائية بحيث لا تؤثر على القرار لا السياسي ولا المدني ولا أي من القرارات المصيرية.