تحقيق إستقصائي حول الثروة السمكية في موريتانيا
الإمام ولد محمد محمود
يعتبر قطاع الصيد البحري في موريتانيا أحد أهم المصادر الطبيعية التى تغذي خزينة الدولة بالعملة الصعبة ويشكل هذا القطاع ثاني أكبر مساهمة في الدخل القومي بعد قطاع المعادن حيث أن 50% من صادرات موريتانيا من الصيد البحري. تقول إحصائيات البنك الدولى أن موريتانيا تمتلك شاطئ بطول 754 ميل على المحيط الأطلسي ويتعبر هذا الشاطئ من أغني شواطئ العالم بالثروة السمكية ذات الجودة العالية.
في تقرير ل Financial Times نشر في شهر إبريل سنة 2014 أوضح التقرير أن إتفاقية الصيد الموريتانية الأوربية تمسح ل 100 سفينة من 11 دولة أوربية للصيد في المياه الإقليمية الموريتانية مقابل 70 مليون أورو سنويا (إحصائيات 2012). وحسب المصادر الأوربية فإن غياب الوسائل التكنلوجية الحديثة وضعف البنية التحتية وغياب الوسائل جعل الموانئ الموريتانية تستقبل من 5 إلى 10% فقط من مجموع ما تصطاده السفن أما الباقي فيتم تفريغه في الموانئ الأوربية.
في ظل غياب السياسات التنموية للقطاع فإن إمكانيات الصيد التقليدي ضعيفة جدا سواء من حيث الطاقة الإستيعابية أو التجهيزات حيث أن ما يصطاده 56 زورق تقليدي موريتاني سنويا يمكن لسفينة أوربية واحدة إصطياده وتعبئته في يوم واحد.
يشكل هذا قطاع أهمية كبيرة للإقتصاد الوطني و ركيزة من ركائز المخزون الإحتياطي للعملة الصعبة للبلاد و حسب ماهو معلن تشكل مدخلات الصيد 10% من العملة الصعبة ، و هي نسبة تفتقد المصداقية نتيجة للتلاعب الكبير والفساد الذي يشهده القطاع والذي يشمل غياب الرقابة والمحسوبية والزبونية و التلاعب بالرخص وبالإتفاقيات سواء من خلال الرشوة التى تدفعها الشركات الغربية والعالمية أو من خلال الزبونية ومنح الصفقات لمقربين من النظام الحاكم.
خرقات خطيرة في الإتفاقيات:
من مظاهر الفساد الخطيرة في قطاع الصيد التنازل عن بعض بنود الإتفاقية لصالح الشركات مقابل عمولات من تحت الطاولة للنظام ومن الأمثلة على إتفاقية الحكومة الموريتانية مع شركة Poly Hon Done Pelagic Fishery الصينية سيئة الصيت. حيث تقول منظمة Sherpa وهي منظمة فرنسية تم إنشائها سنة 2001 بموجب قانون حكومي رقم 1901 للدفاع عن ضحايا الجرائم الإقتصادية : هذه الإتفاقية غير قانونية ومجحفة في حق الثروة الموريتانية حيث أنه لم يتم الإتفاق على كمية الصيد المحدد للشركة الصينية ولا نوع الأسماك ، كما تم إسقاط بند التلوث الذي قد يخلفه عمل هذه الشركة .
كما تم إسقاط المنافع الإجتماعية التى هي بند في معظم الإتفاقيات المماثلة ، وأقتصرت الإتفاقية على توفير فرص عمل ل 2463 شخص مقابل 13000 وظيفة سيتم الإستغناء عنها .
هذه التجاوزات الخطيرة في الإتفاقيات هي جزء من التلاعب بثروة الشعب وتبديدها حتى الآن وحسب منظمة الشفافية الدولة لا توجد إحصائيات دقيقة عن الشركات العاملة في مجال الصيد البحري ولا عددها ولا ما تدر به على خزينة الدولة من عملات صعبة مقابل عمليات الصيد في المياه الإقليمية ، لا معلومات عن عدد الرخصص ولا سعرها ولا نوعها فالفوضوية وغياب الشفافية تطب هذا القطاع.
الغموض يلف مدخلات القطاع :
مدخلات هذا القطاع الحيوي يطبعها الغموض فعلى الرغم من الإتفاقيات المعلن عنها مثل الإتفاقيات مع الصين والإتحاد الأوربي والبابان وغيرها إلا أن هناك الكثير من الشركات الأخرى والسفن الفردية التى تعمل في هذا الإطار و التى لا توجد إحصائيات دقيقة عن عددها ولا عن ريعها ولا عن أين تذهب هذه الأموال الطائلة التى تدخل عن طريقها.
في سنة 2015 شاركت موريتانيا في المؤتمر العالمى للشفافية المقام في ألماني إلا أن توصيات المؤتمر وقوانين المنظمة لا تزال غائبة في موريتانيا التي هي عضو في المنزمة.
Till Bruckner خبير دولي في مجال التنمية ومهتم بشؤون الشفافية والسياسات الدولية، عمل كمدير ومحام وممثل لمنظمة الشفافية في مناطق عدة حول العالم، وهي منظمة عالمية تهتم بتعزيز التعاون والبحث في مجال الشفافية فيما يتعلق بمدخلات الأنشطة الاستغلالية للثروات الطبيعية في البلدان النامية ، أجرى مقابلة مع رئيس منظمة Publish What You Pay in Mauritania حيث قال ممثل المنظمة :
لا يمكن لأحد أن يعرف ما تستلمه الحكومة الموريتانية مقابل عمليات الصيد في الشواطئ الموريتانية، ونحن أيضا في منظمة ليست لدينا أي بيانات واضحة بخصوص مدخلات هذا قطاع.
الإتفاقيات الدولية :
اليابان:
في سنة 2010 تم تجديد إتفاقية الصيد بين الحكومة الموريتانية و اليابان في العاصمة طوكيو ، حيث تسمح الحكومة الموريتانية ل 20 سفينة يابانية بالصيد في المياه الإقليمية الموريتانية عن سمكة (Tuna)، القيمة المالية للإتفاق لم نستطع الحصول عليها لا من موقع الوزارة المعينة. الصين :
للصين علاقات إقتصادية وثيقة مع موريتانيا خاصة في مجال الصيد البحري ، وحسب الإحصائيات المعلن عنها توجد ثلاث شركات تعمل في مجال الصيد البحري في موريتانيا ويلف الغموض عمل هذه الشركات خاصة من حيث المدخلات والمبالغ التي يتم تسليمها للحكومة الموريتانية وهذه الشركات هي:
China National Fisheries Corporation : ممثليتها في نواذيبو تحت إسم / Mauritano – Chinoise de Pech
Shanghai Fisheries General Corpe
Fuzhou Hangdog Pelagic Fishery Corporation
الإتفاقية المشؤومة :
في سنة 2010 وقعت الحكومة الموريتانية و شركة Poly-Hondong Pelagic Fisheries الصينية إتفاقية تفقتقد إلى أبسط المعايير السليمة للإتفاقيات ، لقد عكست الإتفاقية الكثير من عدم المسؤولية و الأنانية للنظام الحاكم ، حيث قدمت الشركة الصينية مبلغ 100 مليون دولار للحكومة الموريتانية مقابل السماح للشركة الصيد في المياه الإقليمة مدة ربع قرن. حسب ماهو معلن من حييثيات الإتفاق أن الشركة الصينية ستستثمر 100 مليون دولار في بناء مصنع لمعالجة وحفظ الأسماك يتسع ل 44,000 طن من الأسماء وتوفير 2500 وظيفة.
في الجانب الآخر من الإتفاق والذي أعلنت عنه منظمة Sherpa يتم إعفاء الشركة من أي ضرائب على 20% من أرباحها لمدة خمس سنوات الأولى كما لم يحدد الإتفاق كمية الأسماك المسموح بها للشركة، يسمح الإتفاق أيضا للشركة ب إكتتاب 30% من عمالها من الأجانب، تم التغاضي عن البند المتعلق بحماية البيئة ، وهذا إخلال كبير في الإتفاق وتلاعب بثروة الشعب ومستقبل أجياله.
غموض كبير يلف الإتفاقية المشؤومة وهو ما عبر عنه النائب البرلماني السالك ولد سيدي محمود حيث قال : لم نستع الإطلاع على فحوى الإتفاق بشكل كاف ، لكن هناك إعفاءات ضريبية كبيرة قدمت للشركة (نقلا عن مراسل وكالة رويرز Laurent Prieur).
المعروف إن الإتفاقات الدولية في مجال الصيد يتم تجديدها من كل سنتين أو ثلاث وذالك لإعتبارات تغير أسعار السوق وتقلبات سعر الصرف الذي أحيانا يمنح الدولة فرصة للإستفادة من هذا التقلب ، لكن في هذه الإتفاقية غابت هذا الشرط ، فمثلا الإتحاد الأوبي يدفع مبلغ سنوي مقابل كمية محددة من الأسماك، وبعد كل فترة يتم تجديد الإتفاق بناءا على معطيات جديدة ما حدث في الإتفاق الأخير الذي مدته 4 سنوات، أما حدث مع الشركة الصينية فهو بمثابة عملية إستنزاف للموارد الطبيعية فهو عمل لا إنساني ولا إخلاقي ولا وطني. روسيا :
لا توجد إحصائيات دقيقة عن إتفاقية الصيد الموريتانية _ الروسية في هذا الإطار نورد ما نشره موقع Agritrade الأوربي المتخصص في شؤون الصي في 1 يوليو 2013 من أن صحيفة القلم الموريتانية حصلت على مسودة إتفاق بين روسيا وموريتانيا تتعلق بالصيد البحري في المياه الإقليمية الموريتانية ، مدة الإتفاق حسب الصحيفة 10 سنوات ، حيث تقدم روسيا للحكومة الموريتانية مبلغ 100 مليون دولار مقابل السماح للسفن الروسية بالصيد في الشواطئ الموريتانية. الإتحاد الأوربي:
ينص الإتفاق الجديد بين موريتانيا والإتحاد الأوربي على أن تسمح موريتانيا لدول الإتحاد الأوربي بصيد أنواع السمك التالية : (shrimp, demersal fish, tuna and small pelagic fish) في المياه الغقليمية الموريتانية مقابل 59.125 مليون أور يقدمها الإتحاد لحكومة موريتانيا و تشمل الإتفاقية سفن الدول التالية : فرنسا ، أسبانيا ، ألمانيا أبريطانيا ،إيطاليا ، البرتقال ، لاتيفايا ، بولندا ، هولندا. الكمية المسموحة بإصطيادها حسب الإتفاق الأخير هي : 281,500 طن.
إن هذه الشواطئ العظيمة التى تغذي شعوب تسع دول أوربية ، إضافة للصين وروسيا يعيش عليها قرابة ثلاث ونصف مليون في واقع مرير من الفقر و المرض و سوء الوضع الإقتصادي يدفع للتساؤل أين تذهب هذه الأموال الضخمة ؟ إن مؤشرات التنمية الإقتصادية تفضح عمليات النهب والفساد التي تتعرض لها ثروة هذا الشعب ، حتى بالنسبة للذين لا يرون في في مؤشرات التنمية الإقتصادية وجه لحقيقة الماساة ، فلينظرو إلى واقع الحال ، ينظروا إلى التعليم المنهار وغياب الجامعات التى تتصف بأدني وأبسط مقومات المؤسسات العلمية ، فلينظروا إلى المستشفيات ووضعها المزري و أجهزتها البالية ، ينظروا إلى طوابير المرضي التي تمتلأ بهم ازقة المستشفيات ، فلينظروا إلى البينة التحية المنهارة فلينظروا إلى غياب الصرف الصحي .. إنها ماساة حقيقة أن يعيش شعب يمتلك كل تلك الثروات على هامش الحياة بتلك الطريقة التعيسة والمهينة والمذلة.
على هذا الشاطئ العظيم الذي يغذي شعوب أوربا وروسيا والصين واليابان يعيش الإنسان يبحث عن جرعة ماء نقية يروي بها عطشه أو قرص دواء يخفف به ألمه فلا يجده ، إنه أسوء أنواع ظلم للإنسان على مر التاريخ .... فاي لعنة أصابت هذه الربوع ؟
وأي بلاء يلاحق هذا الشعب .