"إِمَامْ النَّاسْ": سبحوا به وقف، سبحوا به جلس، سبحوا به: تَمَرَّغ..
في الأشهر الأخيرة تصاعد "تسبيح" الناس بالجهات المكلفة بالنقل مطالبين بتدخلها الحازم حماية للمواطن، من أجل تنظيم النقل ومنع المخالفات فيه المسببة لحوادث السير التي تخلف يوميا اضرارا بشرية ومادية فادحة..
جاءت تلك المطالب في وقفات، وتدوينات ملأت فضاء شبكات التواصل، ومقالات في المواقع، وأحاديث الناس في سيارات النقل العامة، وفِي الصالونات، والمجالس.. تدخلت تلك الجهات، وبدأت من حيث يجب أن تبدأ، من الإطار القانوني، فتمت المصادقة على المرسوم رقم 44/2017 بتاريخ 20 ابريل 2017، فَدَوَّى "التسبيح" المضاد المربك تحريضا ورفضا للتنظيم، عبر نفس الوسائل والوسائط، وربما من نفس الأشخاص الذين ما تزال دعواتهم المطالبة بوضع حد للفوضى في مجال النقل تترددُ في الآذان..
ينص المرسوم على 13 مخالفة، هي: الإيقاف المخالف - قيادة دراجة نارية من دون حمل خوذة السلامة - غياب أضواء التوقف والإنارة - تجاوز الخط المتصل - استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة - عدم لبس حزام الأمان - الحركة عكس اتجاه السير - السرعة المفرطة - القيادة دون رخصة - عدم مطابقة لون السيارة لبطاقة التسجيل - عدم احترام إشارة التوقف - تظليل نوافذ السيارة الأمامية - غياب لوحة الترقيم..
لا يستطيع أحد أن ينكر خطورة هذه المسلكيات، ودورها في تهديد سلامة الركاب والمارة، وما انجر عنها وعن بعضها بالخصوص من حوادث مؤلمة، وجدارتها بالمنع والعقاب.. تَدَخُّلُ المرسوم كان بمعاقبة هذه المخالفات بعقوبات مالية (غرامات) متفاوتة، لا تغطي أعلاها أبسط ضرر يحدث لسيارة اصطدمت بأخرى - متوقفة ليلا بشكل غير سليم دون أضواء، أو متجاوزة الإشارة الحمراء بسرعة، أو سائرة عكس الاتجاه، أو سائقها منشغل بالهاتف، أو ليست له رخصة أصلا - ودعكَ من الأضرار البشرية،
وقد كان بعض دعاة منع فوضى السير يطالب بعقوبات السجن، وحتى الإعدام، والتشريعات المعاصرة في كل الدنيا تعطي الأولوية للعقوبات المالية.. يسد هذا المرسوم فراغا تشريعيا، كان قائما، ويشكل تدخلا من الجهات المختصة للحد من فوضى السير، التي تنشأ عنها بدرجة كبيرة حوادث المرور الكارثية، وهو خطوة في الاتجاه الصحيح، فأين الذين كانوا بالأمس يطالبون بوضع حد لفوضى السير؟!..
إن التحريض ضد مرسوم تنظيمي لم ينشر - إلى وقت كتابة هذه الأسطر - في الجريدة الرسمية التي تصدر يومي 15 و 30 من كل شهر، فرارٌ من التنظيم إلى الفوضى، وتوقيع على استمرار نزيف الأرواح والممتلكات الذي تخلفه حوادث السير كل لحظة، وتناقض صارخ في دعوات حملة "قميص" المصلحة العامة والوطنية، إلى ما يكتنف هذا التحريض الاستباقي من ريبة، وشك في انصرافه عن ظاهره..