أعلن قبل أيام رئيس مجلس النواب اللبناني أن تطورا مهما في قضية الامام موسى الصدر سيحصل قريبا. واتضح فيما بعد أن مصدر تفاؤل الرئيس بري هو نتائج مباحثات أجراها وزير الخارجية اللبناني في طهران التي كان عليه أن يغادرها على عجل إلى نواكشوط ليلتحق به فيما بعد عضوا لجنة متابعة قضية الامام الصدر المدير العام للمغتربين في وزارة الخارجية هيثم جعة والقاضي حسن الشامي.
ومع أن نتائج زيارة عدنان منصور –الذي التقى حتى الآن بكبار المسؤولين الموريتانيين- لم يعلن عنها بعد، إلا أن زيارته بحد ذاتها تكشف عن حجم أهمية الرئيس السابق لاستخبارات القذافي ونوعية "الاستغلال" الذي تقوم به السلطات الموريتانية لضيفها رغم إلحاح الليبيين على ضرورة الاسراع في تسليم جلادهم السابق واستخدامهم أحيانا لغة التهديد للضغط أكثر على سلطات موريتانية يبدو أنها ليست في عجلة من أمرها وماضية في لعب ورقة السنوسي إلى أبعد الحدود.
وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن الليبيين قد توصلوا إلى قناعة بأن السلطات الموريتانية "تتلاعب" بهم من خلال سلسلة من الوعود لا يتم الوفاء بها. وقبل فترة قصيرة تلقى الليبيون وعدا بالتسليم وبعد أن أكملوا الاجراءات المطلوبة فوجئوا بالموريتانيين يتراجعون عن وعدهم الذي أعطوه هذه المرة لوسيط وليس لليبيين وحدهم.
ومع أن الرئيس الموريتاني تحدث بعيد ذلك عن "اعتبارات أخلاقية" تؤجل اتخاذ قرار بشأن مستقبل السنوسي، إلا أن الاعلان عن "صفقة طهران" كشف أن الاعتبارت الأخلاقية لم تكن وحدها سببا في التأجيل. وقد لا تكون هذه الصفقة هي الأولى ولا الأخيرة بخصوص رجل تطارده أهم أجهزة الاستخبارات الدولية.
هذه التصرفات تترك الانطباع بأن استراتيجية السلطات الموريتانية للتعامل مع ملف السنوسي، تعتمد المماطلة واختلاق الأعذار لغاية "امتصاص" المعلومات المهمة التي بحوزته وتسويقها لدى الجهات المهتمة. وعندما لا يبقى من السنوسي سوى جسد متهالك لا ضير في أن تسلمه إلى حيث ينتظره حبل المشنقة.
والسؤال المطروح في مثل هذه الحالة هو ما إذا كان من حق موريتانيا الاحتفاظ بالسنوسي إلى أجل غير مسمى، أم أن التزاماتها الدولية تفرض عليها تسليمه لإحدى الجهات المطالبة به؟ هذا فضلا عن "التساؤل الأخلاقي" حول مدى أخلاقية "المتاجرة" في الأسواق الدولية بضيف لجأ إلى شعب معروف بكرم الضيافة بحثا عن الأمان؟
من حسن حظ السلطات الموريتانية أن جارتهم الجنوبية تؤوي داخل أراضيها منذ سنوات جلادا آخر (الرئيس اتشادي السابق حسين هابري) صدرت بحقه مذكرة اعتقال دولية منذ سنة 2005. ومنذ ذلك التاريخ والرئيس واد يرفض تسليمه ويتلكأ في محاكمته في السنغال متحججا بأن قضاء بلاده غير جاهز بعد لمثل تلك المحاكمات.
وفي 20 يوليو الماضي أصدرت محكمة الجنايات الدولية حكما في قضية هبري، أوضحت فيه أن مسألة التسليم "هي خيار تلجأ إليه الدولة المعنية حين تريد التنصل من واجب متابعة المتهم المطلوب". ولأن التشابه قائم بين قضيتي هابري والسنوسي فإن الماد 7 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (انضمت إليها موريتانيا سنة 2004) التي تنص على أنه: " تقوم الدولة الطرف التي يوجد في الاقليم الخاضع لولايتها القضائية شخص يدعى ارتكابه لأي من الجرائم المنصوص عليها في المادة 4 في الحالات التي تتوخاها المادة 5، بعرض القضية على سلطاتها المختصة بقصد تقديم الشخص للمحاكمة، إذا لم تقم بتسليمه"، هذه المادة لا تلزم موريتانيا بتسليم السنوسي لأي جهة لكنها تلزمها في حالة عدم تسليمه بمتابعته قضائيا على جرائم التعذيب المتهم بها والتي مارسا بعد مصادقتها على الاتفاقية.
بإمكان موريتانيا إذا أن تبدأ إجراءات محاكمة السنوسي وتمتنع عن تسليمه من دون أن تضر بالتزاماتها الدولية، ذلك أن هدف الاتفاقية –بحسب الجنايات الدولية- يتمثل في عدم تمكين المتهمين بارتكاب جرائم التعذيب من الإفلات من العقاب عبر منعهم من الحصول على ملجإ آمن في أي من الدول الموقعة عليها.
يبقى أن الجانب السياسي لمسألة السنوسي قد يكون أهم من الجانب القانوني، إذ أن من يطاردون حسين هابري هم ثلة من الضحايا، بينما من يطاردون السنوسي هم سلطات دولة بحجم ليبيا تمتلك تاريخا حافلا بالصراع والتعاون مع موريتانيا بالاضافة إلى أنها إحدى دول الربيع العربي المرشحة للعب دور قيادي في المنطقة في المستقبل المنظور. لذلك تمكن استساغة "لعب" السنغاليين بضحايا جلاد اتشاد السابق، غير أنه ليس من الحصافة في شيء أن يستمر الموريتانيون في "اللعب" على أعصاب قادة ليبيا الجديدة.
أقلام