من العوامل التي أسهمت في محاولة إنهاء الأحكام الأحادية في إفريقيا هي التغيير الذي حصل في العالم في التسعينيات والمتمثل في تفكك الاتحاد السوفيتي واندثار الماركسية في أوروبا الشرقية والوسطى وكذلك الضغوطات التي مورست على الأفارقة من قبل المؤسسات المالية والدولية أضف إلى ذلك العامل الأكثر ضغطا والمتمثل في موقف الرئيس الفرنسي السابق "افرانسوا ميتراه" إبان القمة الإفريقية السادسة عشر وضغطه بإدراج إشكالية الديمقراطية والتنمية كجدول أعمال رئيسي في هذا المؤتمر وخاطب نظراءه الأفارقة قائلا: إن عاصفة الديمقراطية ستعم جميع بلدان العالم وما جرى في أوروبا الوسطى والشرقية سينسحب على أفريقيا وهذا يحتم عليكم (وكان يقصد الرؤساء حينئذ) التأهب لتمهيد الطريق أمام الديمقراطية ومن هذا المنبر ندعوكم إلى إنهاء الأنظمة الأحادية التي سئمناها.
وكان مخطط "ميتراه" الذي أبداه في هذه القمة المشار إليها أعلاه يتمثل في نظرية التمثيل والانتخابات الحرة والتعددية الحزبية واستقلالية القضاء.
وقد ضمن الرئيس الفرنسي للأفارقة الدعم اللازم لهذا التوجه أي ذلك النظام الذي يمكن المواطنين من المشاركة في صنع القرارات السياسية ذات الأولوية بالنسبة لهم عن طريق التفاعل المباشر مع السلطات القائمة وتقوية دورهم في تدبير الشأن العام لكن نجاح هذا الشكل من الديمقراطية يتوقف على وجود مجتمع مدني فاعل ووجود مواطنين غير أميين مدركين لمعنى الديمقراطية الشيء المفقود في إفريقيا نتيجة لارتفاع الامية في دولها والتي تبلغ في بعضها 42% وكان من معوقات هذا التوجه تحكم الجيش في هذه اللعبة الجديدة وكذلك الطبقة الوسطى المتعلمة والتي كانت متآمرة على الشعوب ، ومن خصائصها أنها كانت من إفرازات المستعمر ومتشبعة بثقافته الشيء الذي تحطمت عليه آمال الشعوب وبقي جوهر الحكم على ما هو عليه من ظلم وتغييب وتنكيل بالشعوب.
وظلت الأوراق مختلطة الى يومنا هذا وستظل المطالب الشعبية الخافتة بفصل السلطات وتغيير الطبقات الفاسدة مسألة عصية المنال وستبقى الأحكام القائمة ظاهرها ديمقراطية معلبة وباطنها دكتاتورية صرفة تتحالف مع نخب الطبقة الوسطى الأكثر فسادا وجبروتا على حساب الضعفاء وستبقى كذلك ديمقراطيات ينقصها الملح والتوابل والمقاصد والأهداف. بقلم: شيخنا ولد الداه
"مستشار قانوني بصونادير"