عاشت ليبيا أمس أول فاتح سبتمبر من دون قائد ثورة "الفاتح العظيم" ملك ملوك إفريقيا معمر القذافي... لقد قدم الرجل إلى ما قدم في ظروف صعبة ومثيرة للجدل، وتستمر مطاردة أركان نظامه، ويستمر التنكيل بمناصريه، وتستمر شيطنته، لكن ليبيا، لم تعرف بعد الاستقرار، وما زالت متأرجحة بين أحلام وشعارات ثورية، لم تتمكن السلطات الجديدة رغم حسن النوايا إنزالها لأرض الواقع في شكل نمط حكم تشاركي متفق عليه يفضي إلى حكامة رشيدة... ويتذكر الليبيون أن ثورة القذافي وصحبه كانت أرحم بمن سبقوه، فالملك إدريس السنوسي تفرغ بعد الإطاحة به للتصوف والعبادة، ولم يسحل في مداخل مجاري الصرف الصحي...
لقد وحد هذا الرجل ليبيا بتصوف ورمزية الانتماء للدوحة الشريفة، ووحدها القذافي بالنظرية العالمية الثالثة، والكتاب الأخضر، وحولها إلى جماهيرية طوباوية، كان المتحكم في كل مقاليد أمورها... لقد كان القذافي مغامرا حالما، وكان طموحا، وكان جانحا نحو قومية عربية صعبة المنال، وقبله كان عمر المختار مقاوما حتى الشهادة وكان السنوسي متصوفا زاهدا ناسكا، وكلا الثلاثة مثل خيارا وحلما فوق كل النزعات، وشاغل الليبيين مشاغلة مكنتهم من تجاوز فوارقهم، وتبايناتهم العرقية والإقليمية، أما ورثة القذافي والسنوسي، وعمر المختار، فلم يقدموا أي حلم، وما زالوا يراوحون مواقعهم، منبهرين "بإسقاط الطاغية"، لكنهم لم يعلنوا عن ميلاد الحكيم الجديد، والقيادة الجديدة.. وكما تكون الشعوب يولى عليها، والليبيون شعب طموح، لا يساس إلا بالأحلام والمشاريع الكبيرة.
طبعا مع الوقت ستنطفئ جدوة الثورة، ويتبوأ القذافي وغيره مواقعهم في حلقات تاريخ ليبي موار، بدأ قبل عمر المختار، ولن ينتهي مع الثورة.
اتهامي ولد امحيمدات/الراي المستنير