صيادون سنغاليون عاملون في موريتانيا يعتقلون ويرحلون، وبيان اعتذار من الحكومة السنغالية عن شتائم بثتها قناة محلية، وحملات إعلامية متبادلة أثناء أزمة غامبيا، كل هذه التفاعلات أدخلت العلاقات الموريتانية السنغالية غرفة الإنعاش، وجعلتها في حالة اضطراب وتذبذب مناقض لمقتضيات الجوار.
وبما أن الحكومة السنغالية لا غنى لها عن ترخيص جارتها الشمالية لصياديها التقليديين، فقد اضطرت لإيفاد وفد وزاري إلى موريتانيا يضم كلا من منكيور انجاي وزير الخارجية وعمر غي وزير الصيد.
وحسب مصادر رسمية سنغالية، فسيسعى الوزيران المتوقع وصولهما اليوم إلى نواكشوط، للكشف عن حقيقة المشكلات التي تربك علاقات البلدين وإيجاد حلول لها وبخاصة منها قضية تجديد الرخص للصيادين التي تعتبر محرجة لحكومة داكار، لاعتماد مئات الأسر السنغالية الفقيرة على ريع السمك الموريتاني بل ولاعتمادها يوميا على هذا السمك الذي هو غالب قوت السنغاليين.
ولم يستبعد السفير السنغالي في نواكشوط مامادو تال في تصريح نقله أمس «سينينيوز» الإخباري السنغالي «أن توافق الحكومة الموريتانية على تراخيص مؤقتة للصيادين ريثما تتضح الطريقة التي ستمنح بها الرخص بصة نهائية تتماشى وترتيبات سياسة الصيد الجديدة».
وأكد وزير الخارجية السنغالي في تصريحات له أمس «أنه سيبحث مع السلطات الموريتانية المشاكل التي تربك صيد السنغاليين في مياه موريتانيا الإقليمية».
وجاءت تصريحات الوزير السنغالي، بينما تحدثت الأخبار عن اعتقال السلطات الأمنية الموريتانية بمدينة نواذيبو (شمال البلاد) لعشرات من الصيادين السنغاليين الذين وجدوا متلبسين بالصيد غير المرخص في المياه الموريتانية، حيث تسعى السلطات لترحيلهم ومصادرة زوارقهم.
وقال منكير انجاي «مع زميلي وزير الصيد سنسعى لتقديم المساعدة السريعة لصيادينا المحتجزين في موريتانيا»، مضيفا «أن هذ ليست المرة الأولى التي تجري فيها مثل هذه المباحثات بين الحكومتين».
وأضاف «سنقوم بكل ما يمكن من أجل أن تعود الأوضاع لما كانت عليه في الماضي حيث يمارس صيادونا، بكل اطمئنان، نشاطهم برخص ممنوحة من حكومة نواكشوط».
وشدد رئيس الدبلوماسية السنغالية القول «بأن بالمفاوضات وحدها يمكن تسوية هذه المشكلة لأن الصيادين السنغاليين اعتقلوا داخل المياه الإقليمية الموريتانية».
وليست قضية الصيادين وحدها هي المربكة لعلاقات موريتانيا والسنغال بل إن علاقاتهما توجد في حالة اضطراب منذ أن اندلعت الأزمة الغامبية وتصارع البلدان في تجاويفها السياسية والدبلوماسية والإعلامية.
فقد اعتذرت الحكومة السنغالية رسميا قبل أيام عن تصريحات دعا فيها صحافي سنغالي على الأثير، أرقاء موريتانيا السابقين لاستخدام السلاح من أجل تحقيق مطالبهم وذلك في برنامج «الموعد الكبير» الذي تبثه قناة «دي.أس.تي.في 2» السنغالية.
وأعربت حكومة داكار في بيان رسمي عن «إدانتها الشديدة لتصريحات الإعلامي السنغالي التي لا يمكن التغاضي عنها لما فيها من تحامل واستهزاء بحكومة بلد جار وشقيق».
وأكدت الحكومة السنغالية في بيان اعتذارها «أنها تذكر جميع وسائل الإعلام الاجتماعية والمهنية بإلزامية التحفظ إزاء القضايا التي تخص العقلاقات الدولية وبخاصة علاقات السنغال بجيرانها».
وتظل مشكلة دخول الصيادين السنغاليين التقليديين إلى المياه الموريتانية دون رخص، المشكلة السياسية التي تربك علاقات البلدين.
فمنذ أن طورت موريتانيا آليات رقابة سواحلها، أصبح اصطياد البحارة السنغاليين في مياهها الإقليمية الغنية بالأسماك، أمرا مكشوفا لا يمكن التستر عليه.
وأكدت السلطات الموريتانية مرات عدة أن على حكومة داكار أن تلزم صياديها باحترام أنظمة الصيد في مياهها الإقليمية. ولم تجدد الحكومة الموريتانية السنة الماضية رخصها للصيادين السنغاليين بسبب تطبيقها لسياسة جديدة للصيد تشتمل على إجراءات كثيرة.
وكان وزير الصيد السنغالي عمر غي قد عبر عن «انزعاج حكومة داكار من الإجراءات التي يتضمنها قانون الصيد الذي أقرته الحكومة الموريتانية مؤخراً والذي يلزم جميع من يمارس الصيد في المياه الموريتانية بتفريغ المصطادات على الأرض الموريتانية للتحقق من نوعها وكمها».
ودعا وزير الصيد السنغالي في تصريحات أخيرة له «الحكومة الموريتانية لفتح الباب أمام المفاوضات الخاصة بتجديد اتفاقية الصيد المبرمة بين البلدين تقديراً للروابط التاريخية والجغرافية القائمة بينهما».
وقال «من الصعب على صيادينا التقليديين تنفيذ الشروط الجديدة لقانون الصيد الموريتاني الذي يلزمهم بأن يفرغوا مصطاداتهم على الأرض الموريتانية ثم إعادة شحنها من جديد»، مضيفاً قوله «هذا ما يعرقل حتى الآن توقيع اتفاقية جديدة للصيد بين حكومتينا»، حسب قوله. وأعرب عن «أسفه لعدم تجديد الاتفاقية ولعرقلة نشاط صيادي سنلويس التقليديين في المياه الموريتانية، مضيفا قوله «نحن ندرك أن موريتانيا بلد له سيادة، إلا أننا نذكر سلطاتها بأن المعاهدات الدولية الخاصة بقانون البحار مقدمة على قوانين الصيد الوطنية». ويقدر إنتاج الصياديين السنغاليين الذين يبحرون كل يوم بآلاف الزوارق من شاطئ لانغ برباري السنغالي بما يزيد على 30 ألف طن من الأسماك كل عام.
وترتبط السنغال وموريتانيا منذ عام 2001 باتفاقية للصيد تجدد كل عام وتسمح للصيادين التقليديين السنغاليين بالحصول على رخص للصيد في المياه الموريتانية مقابل مبلغ مالي.
وتنص اتفاقية الصيد الموقعة بين موريتانيا والسنغال والتي انتهت صلاحيتها في تموز/يوليو من العام الماضي على منح موريتانيا أربعمئة رخصة للسنغال لفائدة مجموعة الصيادين التقليديين في ولاية سنلوي السنغالية المحاذية للحدود مع موريتانيا.
ويشكل صيادو سنلوي الذين يسمون «غت اندر» بعددهم الكبير وباعتماد آلاف الأسر على مصايدهم، مجموعة ضغط سياسية واقتصادية كبيرة على حكومة داكار، كما أنهم يشكلون ورقة ضغط هامة بيد حكومة نواكشوط.
وظل الصيادون التقليديون السنغاليون على مدى قرون مضت يصيدون بحرية في المياه الدولية بدون رقيب، قبل أن تلزمهم الحكومة الموريتانية ضمن تشريعات حماية الثروة البحرية، باحترام مياهها الإقليمية لتفرض بعد ذلك على جارتها السنغال توقيع اتفاق ينظم نشاط هذه المجموعة.
وكانت الرخص التي تلتمس السنغال تجديدها قد منحت بموجب اتفاق موقع مستهل حزيران/يونيو 2013 وتتولى لجنة متساوية الأطراف من كلا البلدين الإشراف على ضمان حسن تنفيذه وحل المشكلات التي تعترضه.
وتسمح موريتانيا حسب الاتفاق المبرم بين البلدين، بدخول 300 زورق سنغالي تقليدي للاصطياد في مياهها الإقليمية وذلك بكـمية لا تتجاوز 40 ألف طن مقابل تسديد الـطرف السنغالي لمبلغ 10 يـوروات عن كـل طـن.
المصدر