خص قائد كتيبة الملثمين خالد أبو العباس المعروف بلعور صحيفة "أخبار نواكشوط"، بمقابلة مطولة تحدث فيها عن الربيع العربي وتاريخ صراع تنظيمه مع موريتانيا ومفاوضاته مع السلطات الجزائرية بالإضافة إلى مبادرته بالاتصال بتنظيم القاعدة الأم للتفاوض حول الانضمام له.
ورغم أن بلمختار حاول أن يظهر بأن الظروف قد تطورت لصالح تنظيم القاعدة، إلا أن تصريحاته لم تحمل أي جديد بالغ الأهمية سوى كشفه عن مساع موريتانية خلال السنة الماضية لفتح حوار معهم وعن استعداده لفتح حوار معها بهدف ما أسماه "تحييد موريتانيا" في الحرب التي تخوضها القاعدة.
ومن اللافت للانتباه أن بلمختار بالموازاة مع هذه الدعوة لم يحاول نفي الخلافات الحاصلة بينه مع كل من أمير منطقة الصحراء يحي جوادي وأمير كتيبة طارق عبد الحميد أبو زيد، بل حاول تبريرها عبر استدعاء شيء من تاريخ الخلاف بين قادة المسلمين في عهد الخلفاء الراشدين.
ومن اللافت أيضا أن هذه الدعوة تأتي في ظرفية جدل داخل أوساط قاعدة المغرب الإسلامي لتحديد الموقف من الواقع الجديد الذي تخلقه حركة تمرد الطوارق الماليين والتي تصر بعض فصائلها على طرد القاعدة من معاقلها أو على الأقل الدخول في مواجهة معها لإخلاء المواقع الحصينة في الجبال التي قد يحتاجها الطوارق خلال مواجهتهم المقبلة مع القوات المالية.
ولعل اللافت أكثر هو أن بلمختار صحب دعوته للحوار مع موريتانيا بإدانة ذبح الأسرى والاعتراف بأنه كان خطأ وقعت فيه القاعدة حين ذبحت جنودا موريتانيين، محاولا في نفس الوقت تبرئة نفسه وفصيله من مثل ذلك العمل عبر إعلانه أن مجموعته التي نفذت أول هجوم على موريتانيا، أطلقت سراح جميع أسرى هجوم "لمقيطي"، وهو ما يتناقض مع ما ورد في مقابلة سابقة له اعترف خلالها بأن مجموعته أعدمت النقيب قائد حامية لمقيطي بعد أسره حين قال: "ونحن بدورنا أطلقنا كل الأسرى -بعد ما بيّنا لهم الحكم الشرعي في قتالهم -ولم نؤذ أحدا بعد الاستسلام فضلا عن ذبحهم، كما ادعاه النظام ووزارة دفاعه، عدى نقيب الثكنة الذي ألقي عليه القبض بعدما فرغت ذخيرته".
فهل وصل بلمختار إلى طريق مسدود وأصبح يبحث عن طوق النجاة لدى موريتانيا؟ وهل يعود ذلك إلى استمرار خلافاته مع شركائه في إمارة الصحراء واستشرافه لخطر المتمردين الطوارق بالإضافة إلى الضغط المتواصل الذي يمارسه الجيش الموريتاني على المنطقة منذ يوليو 2010؟ ومن هو العدو الذي سيحاربه بعد تحييد موريتانيا؟
يتضح من خلال التحية التي وجهها بلمختار في نهاية مقابلته لحركة حماس وإشادته بإنجاز كتائب القسام المتمثل في إطلاق سراح مئات الأسرى، أن الرجل يظل وفيا لمهنة اختطاف الرهائن التي راكم منها ثروة ضخمة يتصور الخبراء أن جزء معتبرا منها تم استثماره في بلدان مثل مالي وموريتانيا. لكن من غير الواضح تصور إمكانية "تحييد موريتانيا" والاستمرار في نفس الوقت في خطف الرهائن لأنها لم تدخل الحرب بشكل جدي إلا بعد اختطاف الرهائن الأسبان من فوق أراضيها. فهل يكون بلمختار يعني بهذا "التحييد" البحث عن ملاذ آمن ينسحب إليه بعد أن يكون قد قرر التقاعد؟ وكيف يمكن أن يجد هذا الملاذ في وقت تعود فيه "دول الميدان" من واشنطن مظفرة بعد تلقيها التطمينات بالدعم الأمريكي للقضاء على خطر الإرهاب؟
سيكون من الغريب أن يبحث بلمختار عن ملاذ آمن في موريتانيا بالذات باعتباره المسؤول الأول عن أغلبية العمليات التي نفذتها القاعدة على أراضيها من عملية لمقيطي إلى قتل السواح الفرنسيين واختطاف الأسبان، وباعتبار أن "أنصاره" هم من تكتظ بهم السجون الموريتانية. غير أن غرابة الأمر لا تجعله مستحيلا خصوصا وأن الموريتانيين –بحسب بلمختار- هم من بادروا إلى فتح قناة حوار معه عبر بعض السجناء المفرج عنهم. فهل كان العفو الذي صدر بحق بعض السجناء من غير المحاورين، عربون مودة من الموريتانيين للسعي "لتحييد" بلمختار؟ وهل تمكنه المطالبة بهذا الشكل العلني بالحوار -رغم موقف إمارة الصحراء الرافض له- من دون أن يكون قد حصل على ضمانات؟
لا شيء يمنع من أن تكون تصريحات الرجل دقيقة حول الرغبة الموريتانية وحول مدى جديته في التعاطي معها، كما لا شيء يمنع من أن يسفر ذلك عن اتفاق من نوع ما بين الطرفين. ذلك أن بلمختار -الذي كان أول من دخل الصحراء وتأمر بها- قد يكون وجد الوقت الكافي لإعادة قراءة الوضعين الإقليمي والدولي والتأمل في مصير قيادات القاعدة التي بدأت تتساقط كأحجار الدومينو، خصوصا وأنه لم يعد يحظى بثقة الكثير من أقرانه وأنصاره السابقين، كما أن الموريتانيين قد يكونون سعداء بتحييد عدو لدود خبر الصحراء كما لم يخبرها أحد من قبل ولا شك أنها ستكون أكثر أمانا من دونه.
أقلام