ظهر الرئيس عزيز على وسائل الاعلام الرسمية قبل يوم واحد من انطلاقة "الحوار"، وهو يوبخ مسؤولين سامين في حكومته على عجزهم عن فهم الطريقة السليمة لكيفية غرس الأشجار، ويحمل صحفيي وسائل الاعلام الرسمية المسؤولية عن التغطية على فشل الحكومة في تأدية مهامها. ورغم أن الهجوم كان لاذعا لدرجة أن كل من شاهدوه تصوروا أن عزيز لن يقيل حكومته فحسب، بل سيرمي بها في سجونه معززة بجيش الإعلاميين المتمالئ معها، إلا أن الأوضاع ظلت كما هي وكأن غضب الرئيس لم يكن له ما يبرره أو هو مجرد فقاعة سرعان ما تلاعبت بها نسائم الحزام "الأخضر" كما حصل مع أكثر من تصريحات سابقة.
هل كان الرئيس يريد مجرد تسجيل موقف، بعد فترة غياب ليست بالقصيرة عن الساحة الاعلامية؟ هل كان يستبق نتائج "الحوار" بالاعلان عن استعداده للتخلي عن حكومته؟ أم أنه اكتشف مؤخرا أن أداء فريقه كان فاشلا على أكثر من صعيد وقرر أخذ مساحة من هذا الفريق وتحميله مسؤولية إخفاقات المرحلة المنصرمة في انتظار التخلي عنه؟ أم لعله استشاط غضبا نتيجة مقاطعة جماهير نواكشوط لما بات يعتبر على نطاق واسع "مهزلة الحزام الأخضر"؟
كل شيء يوحي بأن الرئيس المحاصر بالأزمات والطموحات المتناقضة، يبحث بكل ما أوتي من قوة عن متنفس جديد، بعد أن تفاقم الجفاف ووقفت السلطة عاجزة عن مواجهة آثاره فضلا عن مواجهة جنون الأسعار كما عن تلبية المطالب المتفجرة في شتى المجالات. وعلى المستوى السياسي لم تستطع السلطة بعد أشهر من المناورات، أن تجلب إلى طاولة المفاوضات أكثر من 3 أحزاب، كما أنها ظهرت أمام شركائها في الداخل والخارج وأمام جميع مواطنيها، غير جادة نظرا لعجزها الواضح عن تنظيم الاستحقاقات الدستورية.
ولا يقتصر الأمر على الوضع الداخلي فقط إذ أن الرئيس القادم قبل أيام من باريس، كان أول المرحبين بعودة روسيا إلى إفريقيا، ومن المنتظر أن يستقبل الرئيس الايراني في نواكشوط، بعد عودته من زيارة مثيرة للصين واستمراره في مساندة القذافي وبشار الأسد. هذا بالاضافة إلى مشاكله المتفاقمة مع السنغال ودخوله في منافسة شرسة مع المغرب على منصب غير دائم في مجلس الأمن.
هل حان الوقت ليتعامل الرئيس بجدية أكبر مع المسؤوليات الملقاة على عواتقه؟ وهل يمكن أن يتصور أن أحدا سيصدق ولو للحظة أن صحفيي التلفزة أو الاذاعة هم من يغطون على الفساد والفشل؟ أو أن أي مسؤول في إدارته يمتلك أدنى صلاحية تخوله المسؤولية عن نجاح العمل الحكومي أو فشله؟ هل يمكن أن يتصور أن أحمدي نجادي أو ميدفيديف أو حتى هو جين تاو يمكن أن يشكلوا له صمام أمان؟ وإلا فما الذي أغنوه عن القذافي وبشار؟
هل يمكن أن يتصور الرئيس أن ما يحتاجه هو مجرد غطاء سياسي يستمده من أسبوعين من التحاور في قصر المؤتمرات بين من هم عاجزون في أغلبيتهم عن تغطية أنفسهم؟ أو أنه بضربة حظ يمكن أن يغير الطبقة السياسية عبر مجموعة هواة؟ أو الطبقة المالية أو الزراعية...؟ أم تراه مقتنع فعلا بأن كل شيء على ما يرام وبأن شعاراته ما تزال كافية لتهييج الجماهير؟ أم أنه يفهم كلما يحيط وقرر الاعتماد على القوة الغاشمة والمراهنة على مفعولها الردعي؟
ربما كانت مشكلة الرئيس في أنه ينسى بسرعة أو يتناسى كثيرا، فمن يستمع إليه مؤخرا وهو يطل من قناة "افرانس 24"، يتصور أن كل أزمات موريتانيا تم حلها بواسطة انقلابين، بينما الأزمات أعمق من ذلك بكثير والرئيس نفسه جزء منها إن لم يكن لب المشكلة التي تتخبط فيها البلاد منذ انقلاب 2008 والتي كلفتها الكثير من الجهد والوقت وضيعت عليها فرصا ثمينة ربما لن تتكرر في الوقت القريب.
كيف ينسى الرئيس أنه من قطع على الشعب الموريتاني هدوءه، واقتحم المشهد الدستوري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، لا لشيء إلا لأنه يمتلك القوة العسكرية ومساندة حفنة نواب ورجال أعمال؟ كيف ينسى أنه من قسم الموريتانيين إلى مفسدين وفقراء واستغل حاجة البسطاء فأمطرهم وعودا هو أول من يعرف أنه لن يستطيع تحقيقها؟ هل يمكن أن ينسى أنه من فرض نفسه على الشعب الموريتاني بالقوة ووضع البلاد على شفى الحرب الأهلية وعرضها للعقوبات الدولية، وسجن وقمع وصفى...؟
كيف ينسى الرئيس أنه من أعلن حربا على ساسة البلاد، وأطرها وعلى كل تاريخها، وأنه من اتخذ قرارات ونفذ سياسات، أضرت بقطاعات عريضة من المواطنين ويوشك بعضها أن يؤثر على تماسك الشعب ووحدته؟ وهل عليه أن ينسى ولو للحظة أن مركزة السلطة لم تكن في أي يوم من الأيام أقوى مما هي عليه في عهده، وأن الحديث عن دولة مؤسسات وقانون قد فقد كل مصداقية منذ أن نحي الددستور جانبا ليتم استبداله ببيانات تحولت بقدرة قادر إلى تعبير مقدس عن إرادة الأمة؟
ما يريد الرئيس أن يتناساه هو أن المشكلة تكمن هناك، وأن الوضع "المريح" الحالي له ما قبله وسيكون له ما بعده. وقد حان الوقت لمغادرة منطق الشعارات والرومانسية الثورية، لصالح منطق رجل الدولة القادر على الاعتراف بأنه جزء من المشكلة حتى يتسنى القبول به كجزء من الحل! وإلا فما الذي يمكن أن يعصم الرئيس من مصير من سبقوه؟
المصدر: أقلام حرة