حضرت مساء أمس ندوة، بعنوان: "الرهانات السياسية والتعديلات الدستورية"، نظمها المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية: "مبدأ"، حضرها جمع من المهتمين، حرمهم سيف الوقت من الاستماع لما حضره المحاضرون وما رغب المتدخلون في إثارته وإثراء النقاش حوله.
وبما أن الموضوع لامس الرهانات السياسية في هذا البلد، من خلال التعديلات الدستورية، التي تعتبر اليوم موضوع جدل داخل الطبقة السياسية الموريتانية، ويكاد لا يخلو بيت اليوم من الحديث حولها، لذا فإن الكتابة حول هذه التعديلات أصبحت واجبا، يمليه الضمير وليست ترفا فكريا، يتنابز به المتصارعون.
فرغم مفاخرة المؤيدين ب"نجاح" الرئيس في وساطته الغامبية وشماتة المعارضين والمراقبين ب"فشله" الداخلي وتذبذب علاقاته الخارجية وما يصاحبهما اليوم من ضجيج إعلامي.. إلا أن التعديلات الدستورية، ظلت الموضوع الأكثر إثارة هذه الأيام، ينعته البعض بالمهزلة ويفاخر به آخرون بوصفه إنجازا تاريخيا، لم تشهد البلاد مثيلا له في تاريخها الحديث. لذا كانت ندوة "مبدأ" دعوة للتفكير حول الدلالات والمآلات ، التي ستتركها هذه التعديلات، التي هي من الناحية القانونية مشكوك في مصداقيتها(لأنها سترتكز على تعديلات قام بها برلمان منتهي الصلاحية2012.. وسيقوم بها الآن برلمان نصفه مبني على باطل والنصف الآخر انتهت مأموريته منذ 2015).. وهو من الناحية السياسية أيضا، تعديل خارج الإجماع، لم يشرك فيه جل الطيف المعارض وصاحبه تنصل صريح من التزامات رسمية موثقة للطرف المعارض المحاور، بالرجوع إلى استفتاء شعبي، يعفي الجميع من إشكالات الشرعية والمشروعية. ورغم أن كثيرين يرون
فلم يعد أحد اليوم في موريتانيا، يراهن على هذه الدولة - رغم أهميتها - في تحسين سبل عيشه ولا في تشغيل أبنائه، أو في صحته أوفي الحصول على تعليم صالح لأبنائه ولا حتى في أمنه ونظافة عاصمة بلده، أو صحة بئة مسكنه ومأكله ومشربه وصلاحية دوائه، لأن حكامنا انشغلوا منذ فترة طويلة بأمور أخرى، وحدت بين النخبة العسكرية الحاكمة وطفيليي رأس المال ووجهاء القبائل وجوقة النخبة الناعقة لكل منزلق والممجدة لكل انحراف.
من هنا نلاحظ أن هذا الاستفتاء، لا يدور حول قضايا جوهرية، مثل الحكامة وشروط التناوب السلمي على السلطة، ومستلزمات تجنيب البلاد منزلقات 2019 المحتملة.. ولا على ترسيخ دولة القانون والمواطنة المتساوية، ولا هو اعتراف بهوية نهائية للبلد، تنهي الصراع السيزيفي حول اللغة وتضع حدا لحالة الانتظار التي أضحت سمة لكل شيء في هذا البلد.. ولم يتطرق كذلك إلى جوانب تردع ناهبي الممتلكات العمومية: المناصب- المال العام - المساحات الشاسعة، والاستحواذ على مساحات كلية أو جزئية، تشغلها مرافق للدولة في وسط العاصمة، بوسائل غير شفافة ولا مسؤولة.
استفتاء، ترك اللب وأهمل الهشاشة الواضحة في الحياة العامة والخاصة.. وذهب إلى جوانب لم يدر حولها جدل سياسي ولم يطالب أحد بالمساس بها، فكان فقئا لعين المريض السليمة وإهمالا لتلك السقيمة- حسب أحد المتدخلين في الندوة.
لذا نرجو من الجهات المعنية أن تترك لنا علمنا ونشيدنا.. فهما وحدهما المعبران عن خصوصيتنا..أما الخمسة مليارات أوقية التي تعيق تنظيم الاستفتاء الشعبي، فليستبقوها في خزائنهم - مثل غيرها- وليتركوا لنا علمنا ونشيدنا، الذين "استنكف" عنهما المستعمر.. وليسعهم ما وسعه.
إنه رجاء اللحظة الأخيرة
فليسعكم ما وسع غيركم..